رئيس التحرير
عصام كامل

بالفيديو والصور.. متولي «الميت - الحي».. بنك القاهرة يكافئ مراجعا كشف اختلاس الموظفين للتبرعات بالإحالة للمعاش.. «التأمينات» ترسل خطابا للورثة يفيد بوفاته وآخر يطالبه بسداد مستحقات


لم يتخيل "متولي" الذي يعمل موظفا ببنك القاهرة، فرع بورسعيد، أن يصل الفساد في بلادنا إلى أن يسرق عدد من موظفى البنك أموال التبرعات لمشروع معهدى الأورام والكلي، مما تسبب في إصابته باليأس والإحباط حتى أنه طالب بالتنازل عن الجنسية المصرية.


300 ألف جنيه
ويكشف "متولي.م. ال" الذي يعمل مراجعًا ببنك القاهرة فرع بورسعيد، تفاصيل المهزلة، خلال تصريح لـ" فيتو "، قائلا إن زميله رئيس القسم "م.أ.أ" قام بتحصيل مبلغ تبرع به شخص يدعى "إبراهيم محمد غنيم" لصالح معهد الأورام ووضعه في "جيب بنطلونه"، على حد تعبيره، ولم يعط المتبرع إيصالًا بقيمة المبلغ، فطلب "متولي" من زميله تحرير إيصال، وهو ما حدث على مضض فساورت متولي الشكوك، وأخبر وقتها رئيس قسم المراجعة بالفرع، ويدعى "حسن المرسي"، والذي راجع دفاتر التبرعات فلم يجد إذن تحصيل موضوع الشكوى، بل إنه اكتشف سرقات من صندوق التبرعات بلغت جملتها 300 ألف جنيه.

وأضاف "متولي" أنه ذهب إلى مكتب مدير الفرع ليخبره بالواقعة حاملًا معه المستندات الدالة على ذلك، لكن المدير بعد الاطلاع على المستندات، لم يعر القضية أي اهتمام، وبعد إلحاح من "متولي" استدعى المدير الموظف المختلس، وبعد أن أمر متولي بالانصراف، خرج الموظف بعد ذلك ضاحكًا، وكأنه نال مكافأة.

وأوضح متولي أن الموظف المشكو في حقه تمادى في التلاعب بمستندات البنك واختلس أموال المتبرعين، وأضافها إلى حسابه الشخصي تحت بند الطلب التوفير مع عدم تطابق رصيد دفاتر التوفير الخاص بالموظف مع رصيد كارت حسابه بقسم الحسابات الجارية بالفرع، مع اختفاء الكروت المطبوعة الخاصة بقسم الكمبيوتر الداخلي التي تمت خلال فترة التبرعات.

مكافأة المختلس
وأكمل أنه عندما أخبر أحد المفتشين ويدعى "عاصم" بهذه الوقائع قام الأخير على الفور بإعادة فحص الملفات ليكتشف العديد من المخالفات، التي رفض نبيل رياض رئيس مأمورية التفتيش الاعتراف بها، بل إنه تشاجر مع المفتش وعنفه بشدة، وعندما حضر مدير الفرع "محمد إمام" قام رئيس المأمورية بتوبيخ "متولي" بشدة أيضًا، ثم اتصل بالموظف المتهم بالاختلاس فقام الأخير على الفور بإرسال حوالة الفاكس بتاريخ (18 - 2- 1997) لصالح مدير الفرع لتتم النهاية مجازاة "متولي" بنقله إلى الشئون الإدارية.

وأشار "متولي" إلى أنه أرسل خطابًا إلى رئيس مجلس إدارة بنك القاهرة يشرح فيه كل ما حدث أن تم نقل مدير الفرع إلى الإدارة بالقاهرة ومكافأة الموظف المختلس بنقله إلى فرع المنزلة بجوار أسرته، وبعد فترة أعيد مدير الفرع إلى منصبه السابق، ونقل متولي إلى فرع البنك ببني سويف دون إطلاعه أو تسليمه صورة من قرار النقل بالمخالفة للوائح والقوانين، وعندما تظلم متولي لرئيس مجلس الإدارة الجديد "أحمد البردعي" ولمدير الفرع لم يتلق أي رد، بل فوجئ بقيام المدير برفع اسمه من كشف الحضور وإرسال خطاب على محل إقامته يخطره بإنهاء عمله طرف فرع البنك ببورسعيد واستلامه العمل بفرع البنك ببني سويف.

وبعد تلك الواقعة أرسل "متولي" العديد من التظلمات إلى رئيس مجلس الوزراء، ووزير الاقتصاد، ورئيس الرقابة الإدارية، والنائب العام، والإدارة المركزية للرقابة على البنوك فلم ترد عليه إلا وزارة الاقتصاد بخطاب تفيده بأن البنك نقله لصالح العمل !

كل ذلك في حين قام البنك بتلفيق القضية رقم (11666) جنح بندر بني سويف ضد "متولي" واتهموه فيها بكسر زجاج البنك وتمزيق السجلات إلا أن القضية تم حفظها وقيدت برقم (11838) إداري بني سويف، ولم يكتف البنك بهذا التلفيق كما يقول "متولي" بل فوجئ باستدعاء الإدارة القانونية وتوجيه حزمة من الاتهامات له.

معاش مبكر
وقال "متولي" إن هذا الأمر دفعه إلى تقديم بلاغ إلى وكيل نيابة شرق ببورسعيد يتهم فيها البنك بالاستيلاء على حسابات العملاء واختلاس تبرعات الرحماء لصالح مرضي معهدي الأورام والكلى، وإن معظم العمليات تتم من خلال الكمبيوتر الخاص بمدير الفرع، وأرسلت الإدارة القانونية ببنك القاهرة إلى المستشار نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية ببورسعيد خطابًا يحمل رقم (4890) متضمنًا بيانات مخالفة للحقيقة، حيت تم تقدير قيمة الاختلاسات في حدود مبلغ لا يتعدى الـ6000 جنيه، في حين أن الاختلاسات وصلت 3000 ألف جنيه، مشيرًا إلى أن البنك كافأه على اكتشافه هذه الاختلاسات بنقله دون علمه إلى بني سويف.

وكشف متولى عن أنه حين أقام دعوى لإلغاء النقل التعسفي، ورد البنك بأن النقل تم بناء على شكوى من مطلقته وكأن البنك تحول إلى "محكمة أسرة" على حد وصف الموظف.

وفي ذهول قال "متولي": " إن البنك اصطنع خطابًا طالبت من خلاله إحالتي على المعاش المبكر ولم يتم إعلامي بهذا القرار سوى من خلال المحكمة، ولم يتم منحي إخلاء طرف، وعندما طالبت البنك بتقديم أصل طلب المعاش الذي يدعي أنه قدمه لم يستجب البنك، وزيادة في التبجح قام مسئولو البنك بتقديم حافظة مستندات مصطنعة عبارة عن أصل طلب الخروج للمعاش المبكر يحمل عنوان الصندوق الاجتماعي للتنمية الخاص بـمنح قروض لشباب الخريجين ولا تربطني به أي صلة ".

وقام "متولي" كما يروي بالطعن بالتزوير لطلب تقدمه بإحالته للمعاش المبكر إلى محكمة عمال بورسعيد، والتي أحالت الدعوى إلى محكمة جنوب القاهرة فقامت الأخيرة بإحالة ملف الدعوى إلى وزارة العدل - خبراء التزييف والتزوير - والتي أرسلت خطابا إلى محكمة جنوب القاهرة تفيد بأن هذا الخطاب مزور ومخالف لخط "متولي"، الأمر الذي دفعه إلى طلب إحالته للمعاش المبكر.

وفي الوقت نفسه بادر "متولي" بإرسال خطاب إلى "أمينة الجندي" وزيرة التأمينات والشئون الاجتماعية - في ذلك الوقت - يخطرها فيه بأن حرصه وحفاظه على المال العام جعلاه يدخل في عش الدبابير وأنه تواجهه حربًا شنعاء بلا رحمة دون وازع من الدين أو الضمير وأن البنك كافئه على أمانته بإحالته إلى المعاش المبكر وأن معاشه يرد ضمن كشوف مدون بها حساب جار مزيف يحمل رقم (5623)، حيث إن حسابه الحقيقي يحمل رقم (9552 ) وهي جريمة يعاقب عليها القانون فهو لم يقم إطلاقا بالتوقيع على استمارة خاصة بالتأمينات، خاصة تلك التي يتم بموجبها منحه المعاش وأن ظهور أي استمارة موقع عليها منه تعتبر مزورة، وأرسل نسخة من هذا الخطاب إلى الرقابة الإدارية ورئيس جهاز المحاسبات وإلى النائب العام.

وعندما استشعر متولى الظلم الواقع عليه توجه إلى المحكمة الإدارية وأقام دعوى قضائية بدائرة (دمياط – بورسعيد) ضد كل من مدير بنك القاهرة ببورسعيد، ورئيس مجلس إدارة بنك القاهرة، رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي بدعوى رقم (574) لسنة 2001 عمال كلي بورسعيد؛ لبطلان قرار نقله من عمله بشكل تعسفي من فرع البنك ببورسعيد إلى فرع البنك سويف وإعادته لعمله الأصلي.

وبعد 9 سنوات داخل أروقة المحاكم، قررت المحكمة الإدارية في جلستها بتاريخ 3 نوفمبر 2010 بإلغاء القرار المطعون فيه رقم 157 لسنة 2001 فيما تضمنه من إنهاء خدمته للإحالة للمعاش المبكر مع ما يترتب عليه من آثار وإعادته إلى عمله الأساسي بفرع بورسعيد، وإلزام مدير بنك القاهرة ورئيس مجلس إدارة بنك القاهرة بأن يحصل "متولي" على تعويض قدرته المحكمة بمبلغ 180 ألف جنيه عما أصابه من أضرار مادية وأدبية.

وذكر "متولي" أنه خلال فترة نظر القضية فوجئ بقيام الهيئة القومية للتأمينات بمنحه معاشه "الإجباري"، بعد استغناء البنك عنه، فأرسل إنذارا إلى وزيرة التأمينات المؤرخ يوم 28- 6- 2014 وردت عليه "أن تسوية معاشك صحيحة وتتناسب مع مدة الاشتراك الخاصة بك" وارتضى بصرف المعاش معللًا أنه رب لأسرته المكونة من زوجته و3 من الأبناء.

ويروي لنا "متولي" مستبشرًا بدأت رحلة جديدة لي بعد حصولي على حكم المحكمة لعودتي إلى عملي، حيث استلمت وظيفتي كمراجع مصرفي "أ"، وفوجئت بتوجهي للعمل بفرع البنك ببورفؤاد، وشعرت أنني أتعرض لخديعة من مدير البنك حيث أسند إلى عملا دون أي صلاحيات أذهب كل يوم صباحًا لأجلس على مكتبي دون أي عمل، الأمر الذي أعتبره إهدارًا للمال العام لعدم استفادة البنك مني.

الميت الحي
ومعبرًا عن دهشته مما حدث قال "متولي": وفور عودتي إلى عملي بعد صدور الحكم طالبتني التأمينات برد جميع الأموال التي تحصلت عليها خلال تلك المدة، وأصدرت خطابًا رسميًا معتمدًا بخمسة أختام نسر يؤكد أنه "متوفى" وموجه إلى ورثته، رغم أنه ما زال على قيد الحياة، ثم قطعت معاشه وعللت قطع معاشه بسبب عدم تقديم إقراره السنوي، وتساءل "متولي" كيف لي أن أتقدم بإقرار سنوي وأنا في خطاب آخر "متوفى" ؟!

تقدمت بطلب إلى مدير عام التأمينات في بورسعيد محمد جلال غريب طالبت فيه بالإقرار لاستيفاء أوراق معاشي، وقال "معاشك تم إيقافه" بالإضافة إلى طلبهم بتحصيل هذا المعاش من راتبه ، وتساءل "خصمًا من راتبي إزاي وأنا مش شغال في حتة ولا باخد منها مرتب؟".

التأمينات أرسلت لي إنذارا على يد محضر وطالبت فيه بتسديد المعاشات التي تحصلت عليها، وطالبت من البنك بإفادة صورة من الحكم بأنه عاد إلى العمل، وتسديد الأموال إلى التأمينات من صندوق اشتراكاته.

وأوضح "متولي" قائلًا: أنا تعرضت إلى أكبر عملية احتيال من رئيس مجلس إدارة بنك القاهرة بعد الاتصال منه شخصيًا لاستلام عملي تنفيذًا لحكم المحكمة، وجعلني أوقع على خطاب لا تزيد قيمته الإدارية والقانونية على التداول الداخلي في البنك، ومضمونه أني أستلم العمل بفرع بورفؤاد، وأنا لا أحصل على راتب ولم أمارس أي عمل فعلي داخل البنك.

ودلل "متولي" على كلامه بأنه بتاريخ 12 يناير 2014 قامت الهيئة القومية للتأمينات الاجتماعية بإرسال خطاب ورد عليها البنك بشارة إلى خطابكم رقم 5395 المؤرخ 23-12-2013 الموجه إلى المركز الرئيسي لمصرفنا بطلب موافاتكم بكل من استمارة 6 تأمينات التي على أساسها تمت إحالة "متولي. م. م. ال. أ" للمعاش وصورة رسمية من القرار رقم (157) لسنة 2001 بالإحالة للمعاش المبكر "الاختياري"، ولفت إلى أنه تمت إحالته إلى المعاش المبكر الإجباري وليس الاختيار فبالتالي لم يوقع على استمارة 6.

وناشد "متولي" كلا من المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء والرئيس عبد الفتاح السيسي أن يستمعا لشكواه بعين الاعتبار بعدما شعر بالإحباط توجه إلى مكتب النائب العام وقدم طلبا يوم 21 يونيو 2014 والذي قيد برقم 12800 للمطالبة بالتنازل عن الجنسية المصرية بعد أن أصبح يرى نفسه عالة على المجتمع وأسرته وبلده التي وصفها أنها صاحبة الثورتين التي أنكرته وسلبته حقه كمواطن.

واختتم حديثه قائلًا بعد ما يحدث معي أخاف أن أنساق أو أبني لأي جماعة إرهابية وأن أتحول من مواطن بسيط يطالب بحقوقه إلى إرهابي ناقم على بلده وكارها لها، وأحاول تدميرها أو أن أسافر لإسرائيل وأستوطن هناك أفضل من أن أجلس في بلد لا يحترم آدميتي.
الجريدة الرسمية