رئيس التحرير
عصام كامل

طرابلس اللبنانية.. مرآة الصراع الطائفى في الشرق الأوسط.. المدينة تشهد حربا أهلية طاحنة.. احتدام المعارك بين الطائفة العلوية والمليشيات.. واستمرار حمام الدم بين السنة في باب التبانة والشيعة بجبل محسن


تشهد مدينة طرابلس اللبنانية منذ فترة ليست بالقصيرة صراعًا طائفيًا، ولكن الحرب الأهلية في سوريا المجاورة صبت مزيدًا من الزيت على نار الصراع في هذه المدينة الساحلية.

يوجد حيان في قلب مدينة طرابلس اللبنانية على ساحل البحر الأبيض المتوسط يمثلان لب الحرب الأهلية في سوريا المجاورة، ففي هذين الحيين تقاتل الدولة مليشيات إسلامية معارضة لحكم الرئيس السوري بشار الأسد، كما تشتبك فيهما أيضًا مجموعة مسلحة تنتمي إلى الطائفة العلوية في معارك ضد تلك المليشيات الإسلامية، وفوق ذلك تحارب تلك المليشيات بعضها بعضا.

حمام الدم
حمام الدم هذا بين حي باب التبانة ذي الأغلبية السنية وحي جبل محسن الذي تقطنه أغلبية علوية قائم قبل اندلاع الثورة السورية بوقت طويل، ورغم ذلك، فقد ازدادت حدة النزاع الطائفي في مدينة طرابلس مع كل عام تدخله الحرب الأهلية السورية.

الصراع بين مليشيات باب التبانة، والجيش اللبناني قد يشهد قريبًا تصعيدًا جديدًا، ففي الأسبوع الماضي قُتل أسامة منصور، المعروف بارتباطه بجبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سوريا، خلال تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن اللبنانية في طرابلس. وبحسب التقارير الإعلامية الواردة من لبنان، فقد كان منصور يرتدي حزامًا ناسفًا عند قتله.

حرب بالوكالة

وفي أكتوبر الماضي، وقعت اشتباكات دامية بين الجماعات الإسلامية المتطرفة في باب التبانة وبين قوات الجيش، ما دفع الأخيرة إلى تطبيق خطة أمنية جديدة في المدينة، لكن المقاتلين وسكان الحي يعتقدون أن الهدوء الذي يسود الحي لن يدوم طويلًا، إذ يقول أبو بشار، قائد "لجان المساجد"، وهي مليشيات محلية في الحي: "نحن ننتظر فقط أوامر من السعودية كي ننطلق إلى المعركة المقبلة... يجب علينا حماية الطائفة السنية في الحي".

ولكن من الخطأ تصوير العنف في المدينة اللبنانية على أنه نابع فقط من التوترات الطائفية، لأن المعارك بين باب التبانة وبين جبل محسن لا تشكّل في حقيقة الأمر سوى صراع بالوكالة على النفوذ، فما يتدفق من دعم مالي سعودي إلى حي باب التبانة يوازيه دعم مالي سوري يتدفق على المقاتلين العلويين في جبل محسن، كما أنّ سكان الحيين كانوا يقاتلون على جانبين مختلفين في الحرب السورية، ومن ثم عادوا إلى منازلهم لاستكمال هذا الصراع.

ولا يخفي أبو بشار رغبته في استمرار غياب الجيش عن المدينة، فهو مطلوب للقوى الأمنية، إلا أنه تمكن حتى الآن من الإفلات من قبضة الدولة.

من جهة أخرى، وبعد اعتقال عشرات المقاتلين وقادة المليشيات في الربيع الماضي، لا يريد الجيش استفزاز المقاتلين الباقين في الحي وجرّهم إلى معركة جديدة.

ويرى أبو بشار، قائد "لجان المساجد" في باب التبانة، أنّ الصراع القائم حاليًا بين السنة وبين العلويين وبين الجيش اللبناني أصبح أكثر تعقيدًا بعد ظهور فروع لجبهة النصرة وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، والتي تنشط حاليًا في الحي.

هدنة حقيقية أم "استراحة محارب" 

الهدنة القائمة حاليًا بين الحيّين هي فترة استراحة أكثر منها وقفا لإطلاق النار، إذ يعتبر كثير من السكان الذين يقاتلون في طرفي الصراع أنّ الوضع قد ينفجر في أيّة لحظة، ويأمل خضر، البالغ من العمر 24 عامًا، ويقاتل في مليشيات متحالفة مع جبهة النصرة، أن يسيل "بحر من الدماء" في شوارع طرابلس، مضيفًا: "لن نرحم أي أحد في جبل محسن على الإطلاق"، وروى كيف شهد مقتل أخيه وجار له خلال الاشتباكات في شهر مارس عام 2014.

وفي حي جبل محسن، لا يختلف مستوى الغضب عما هو سائد في باب التبانة، إذ يقول خضر عاصي، البالغ من العمر 42 عامًا ويمتلك مقهى في الحي، إنه فقد زوجته العام الماضي بعد أن أطلق قناص النار عليها، ثم فقد ابنه البالغ من العمر 20 عامًا بعدها بشهور قليلة، والذي أطلقت عليه النار في الشارع.

وتعرض عاصي نفسه لإطلاق نار عليه في الخريف الماضي عندما كان مقاتلون سنة يوقفون العلويين عشوائيًا ويطلقون النار على أرجلهم، ما جعله أعرج، ويضيف بمرارة: "كيف يمكننا أن نعيش معهم؟ لا يمكن أن يطلب مني أي أحد بكل جدية أن أعيش جنبًا إلى جنب مع هؤلاء المتطرفين".

لا رغبة في التعايش
هذا الرأي يسود حي جبل محسن وحي باب التبانة أيضًا. فعلي عاصي، البالغ من العمر 23 عامًا، ويقاتل في إحدى المجموعات المسلحة، يقول: "لقد اشتريت سيفًا بعد أن أطلقوا النار على والدي وقتلوه. أريد الانتقام. نحن جميعًا مستعدون للمعركة المقبلة. لقد كان والدي يحب الحياة، ولو قتلوني أنا أو أي مقاتل آخر، لكان ذلك مقبولًا، ولكن والدي لم يكن مقاتلًا ولم يظلم أي أحد. نحن لم نولد عنيفين، ولكنهم علّمونا كيف نكون كذلك".

وفي أغسطس الماضي، استهدفت سيارتان مفخختان مسجدين في مدينة طرابلس ما أدى إلى مقتل 27 شخصًا وإصابة العشرات. ويعتقد كثيرون أن المسجدين استهدفا لأنهما على علاقة بفصائل المعارضة في سوريا. كما تعرض مقهى في حي جبل محسن مطلع هذا العام إلى هجومين انتحاريين بدوافع انتقامية على ما يبدو، ما أدى إلى مقتل تسعة علويين وإصابة العشرات. وأعلنت جبهة النصرة مسئوليتها عن الهجومين.

وبحسب مسئول رفيع المستوى في الجيش اللبناني، فإن الوضع في طرابلس يزداد تعقيدًا مع تدفق عدد كبير من السوريين إلى باب التبانة. ويتوقع المسئول نفسه أن نحو من 20 إلى 30 في المائة من سكان الحي يحملون جنسية سورية، ورغم أن معظم هؤلاء لاجئون فروا من ويلات الحرب في بلدهم، إلا أنّ بينهم عددا ليس بقليل من المقاتلين الذين كانوا يحاربون نظام الرئيس بشار الأسد.

من جهته، يعتبر على فودة، الناطق باسم الحزب الديمقراطي العربي الذي يمثل الطائفة العلوية في طرابلس: "إنهم حبيسو الوضع في الشرق الأوسط... عندما يسوء الوضع في سوريا أو يندلع القتال في اليمن، فإن الوضع هنا يصبح أكثر حساسية".

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل

الجريدة الرسمية