مصر بين دولة السيسى ودولة الجماعة 3
إن هوية الأوطان هى ما تُؤسس لمصالح الدول ودعائم نمائها والانتماء لها، ولقد كانت هوية جيش مصر واضحة منذ الأزل وتجددت فى حرب أكتوبر 73، لتتثبت فى أواخر السبعينيات إلا أن عشوائية كبيرة فى تعريف الهوية الوطنية، نالت من قلب المجتمع، على مر العقود منذ ما قبل انقلاب يوليو 1952، وحتى هذه اللحظة.
لقد سقطت الخلافة الإسلامية "كقوة"، قبل تاريخ سقوطها الرسمى فى 3 مارس 1924 بمراحل، لذا كانت دعوات الإصلاح الدينى، قد تصاعدت قبل سقوط الخلافة وليس بعدها، ومع سقوط الخلافة بدأ التنازع بين مُختلف الدول ذات الأغلبيات الإسلامية، حول من يُعيد تلك الخلافة ومن يُصبح الخليفة.
وبدأ فى مصر صراع من نوعٍ آخر أيضاً، فلقد أدركت بريطانيا العُظمى، القوة المُستعمرة لمصر أن القوى الوطنية وبالذات بعد انتفاضة 1919 أصبحت تُشكل لها صُداعاً مُزمناً، وبالتالى فكرت فى الفكرة التى كان قد طرحها اللورد كتشنر، الذى كان معتمداً سامياً بريطانياً فى مصر فى وقت سابق، حيث رأى الرجل أنه يجب وأن يُنظر للإسلام على أنه "مُؤسسة"، وأن تقوده "جماعة"، وأن تُسيطر عليها بريطانيا موجهة دفتها لشيطنة الدين وتسيسه، لمواجهة أعداء بريطانيا، وهكذا تكونت جماعة الإخوان المُسلمين، "كفصيل خلفى" لبريطانيا، ثم الولايات المتحدة، ومن ثم تمددت بمعونة استخبارات دولية فى دول أُخرى بالمنطقة!!
وكانت المحطة التالية، حينما أُنشئت "جامعة الدول العربية" فى العام 1945، والمُدهش أن أنتونى أيدن وزير خارجية بريطانيا وقتها ثم رئيس وزرائها، كان واحدا من داعمى فكرة خلق كيان للوحدة العربية، كان هذا نابعاً من علم الرجل بما كانت الدول العربية مُقدمة عليه من "تنازع بين هوياتها"، وليس فقط مصر!!
لقد عاشت مصر فى الفترة اللاحقة لمرحلة "تأسيس" ذاك التنازع، فى حروب مُجتمعية، بين تلك الهويات المُختلفة وكان هذا فى حد ذاته ضار جداً بالفكر المُجتمعى بداخلها، فى معية "الطفولة الفكرية"، التى تعترى الأغلبية القصوى من المصريين فى "تأليه" الأفكار وليس فقط الأشخاص!!
وكانت النقطة الفاصلة التى أبرزت هذا التنازع، هى تلك الخاصة بهزيمة 1967 التى عرت مصر فى كثير من النواحى وليس فقط فى ناحيتها العسكرية، حيث كشفت الكثير من الزيف فى المُجتمع المصرى، وسوء إدارة الدولة من تلك الزاوية ضمن أُخرى. وهنا، لا يُمكن أن نتوقف عند كبش فداء، وإلا نكون بذا مُكررين الخطأ. إلا أن تلك الهزيمة ومن زاويتها المُجتمعية، لم يتم مداواة أثرها حتى هذه اللحظة، "فنحن نحيا اليوم السابع من تلك الحرب"!!
وفى خضم هذا التنازع، كان بديهياً أن تصدُر نداءات من آخرين، يطالبون بتأكيد هويتهم مثل من نادى بتأكيد الهوية القبطية المسيحية، كمُقابل للهوية الإسلامية لتزيد الطين بلة!!
لقد كان من السهولة بمكان مُداواة هذا التنازع، ولكن الدولة بأجهزتها تراجعت عن هذا الدور، وفى أحيان أُخرى ساهمت فى تأكيد الفجوات فاستغل الإخوان وأعوانهم فراغ الشارع، لينشروا فكرهم المريض ضمن آخرين. وكان الداء، فيما عُرف "بالصحوة الإسلامية"، التى لم تكن ديناً وإنما "شكلاً" دون "مضمون"!!
فانتشر الفساد الخُلقى عبر النفاق واستغلال الدين كهوية شكلية مُزيفة للأمة، التى كانت طيلة تاريخها الإسلامى مُعتدلة البواعث!!
وتلك الفجوة هى ما نراه اليوم بين مؤسسة عسكرية، تتسق مع شخصيتها الوطنية، وتُجار دين مُفرقين بين المصريين على أساس المصلحة فى السلطة، وهو ما استُغل لتهديد أمن مصر من خارجها بالمُتاجرة دينياً، حتى فى الكفاح المُسلحة ضدها من قبل الإخوان وأفرعهم مثل "حماس"، ...
وللحديث بقية،
والله أكبر والعزة لبلادى،
وتبقى مصر أولاً دولة مدنية