ابن تَيِمِيَة فِكرًا فَاَسِدًا
وردَ إلى موقعنا على الإنترنت، سؤال من الأستاذ /أحمد على يقول فيه:
انتشرت هذه الأيام المناقشات عبر الفضائيات بخصوص كلام وآراء وفتاوى الفقيه ابن تيمية، فمنهم من يرفعه لمصاف المقدس، ومنهم من يقول بإنه سبب خراب الأمة وظهور داعش والقاعدة والإخوان والسلفيين وبوكو حرام وأنصار بيت المقدس وغيرهم من هذه الجماعات الدموية – ونحن في حيرة فأى منهما على حق؟
انتهى سؤال السائل، وللإجابة عن هذا السؤال:
بدايةً بتوفيقً من الله وإرشاده وسعيًا للحق ورضوانه وطلبا للدعم من رسله وأحبائه، نصلى ونسلم على كليم الله موسى عليه السلام، وكل المحبة لكلمة الله المسيح له المجد في الأعالى، وكل السلام والتسليم على نبى الإسلام محمد ابن عبد الله، أيضا نصلى ونسلم على سائر أنبياء الله لا نفرق بين أحدً منهم..
فابن تيمية هو تقي الدين أحمد ابن تيمية، رجل دين إسلامي أطلق عليه البعض لقب «شيخ الإسلام» ولد يوم الإثنين 10 ربيع الأول 661 هـ، الموافق 22 يناير 1263م، وهو أحد علماء المذهب الحنبلي وقد تحدث وكتب في مجالات عدّة أهمها: الفقه والحديث والعقيدة وأصول الفقه والفلسفة والمنطق والفلك وقد وردت لنا في 37 مجلدًا وهو مجهود كبير بلا شك، وقد ولد في حران، وحران تقع حاليا في الأقاليم السورية الشمالية داخل الحدود التركية على مقربة من الحدود السورية. وحين استولى المغول على بلاد حران وجاروا على أهلها، انتقل مع والده وأهله إلى دمشق سنة 667 هـ فنشأ فيها.
وتلقى مع أبيه وعلماء عصره العلوم المعروفة في تلك الأيام. وكانت جدته لوالده تسمى تيميَّة وعرف بها، وقد طعن البعض في نسبه، وعدم صحة ماورد من تسلسل نسبه، قائلين بإن جدته كانت من أصحاب الرايات لذلك نسب اسمه إليها – وقد قرأ الحديث والتفسير واللغة وشرعَ في التأليف وتفسير القرآن وكان في سن 22 ووصفه البعض بالمفكر والناقد الشجاع النادر، وقد أصدر العديد من فتاوى التكفير، وأيضا كَفَرهُ الكثير من العلماء.
وكان متحمسا للجهاد المسلح والحكم الشرعي حسب تفسيره، وقد كان أيضا شخصا مؤثرا في نمو حركة الإسلام السياسي، ومن تلاميذه شمس الدين ابن قيم الجوزية وهو من أشهر تلاميذه ولازمه 16 عاما وسجن أيضا في القلعة منفردا عن شيخه ابن تيمية، وخرج منها بعد وفاة ابن تيمية، وقد كثر ناقدى فِكرُه ومخالفوه من علماء عصره، ومن جاء بعدهم، منهم ابن حجر الهيتمي الذي ذكر أيضًا تقي الدين السبكي، وتاج الدين السبكي، وبدر الدين بن جماعة، وأيضا الشيخ أبو حيان، والشيخ الألبانى والشيخ زين الدين بن رجب الحنبلى والشيخ أبو عبد الله علاء الدين البخارى العجمى الحنفى، والحافظ بن حجر العسقلاني، وغيرهم من الشافعية والمالكية والأحناف.
انتقدوا عليه أمورا يعتقدون أنه قد خرج بها عن صحيح الدين ومنها: القول بقدم العالم بالنوع، والنهي عن زيارة قبور الأنبياء، وشد الرحال لزيارة القبور والتوسل بأصحابها، ومسألة في الطلاق بالثلاثة هل يقع ثلاثة في مرة واحدة. حتى اشتكوا عليه في مصر فطُلِبَ هناك، وعُقِدَ مجلس لمناظرته ومحاكمته حضره القضاة وأكابر رجال الدولة والعلماء، فحكموا عليه وحبسوه في قلعة الجبل سنة ونصفا مع أخويه، ثم عاد إلى دمشق ثم أعُيد إلى مصر وحبس في برج الإسكندرية ثمانية أشهر، وأُخرج بعدها واجتمع بالسلطان في مجلس حافل بالقضاة والأعيان والأمراء وتقررت براءته وأقام في القاهرة مدة، ثم عاد إلى دمشق وعاد فقهاء دمشق إلى مناظرته في ما يخالفهم فيه وتقرر حبسه في قلعة دمشق، وتوفي في سجن قلعة دمشق عن 67 عاما، وقد عاش ابن تيمية كل عمره ولم يتزوج ولم يحج لبيت الله ؟! كما قال الشيخ السقاف في تعليقاته على كتاب ( بيني وبين الشيخ بكر).
وقد قال العلامة علاء الدين البخاري (إن ابن تيمية كافر، وإن الإمام السبكي معذور بتكفير ابن تيمية لأنّه كفّر الأمة الإسلامية)، راجع كتاب ( فضل الذاكرين والردّ على المنكرين لعبد الغني حمادة ص 23 ) وقد ورد في فتاوى ابن تيمية كلمة كافر مرتد 29 مرة وكافر 917 مرة وحلال الدم 19 مرة وفإن تاب وإلا قتل 97 مرة ويقتل 849 مرة وتضرب عنقه 39 مرة، ومن مجموع الفتاوى ( 37 ) مجلدا قد تكررت لفظة الجهاد فيها أكثر من (600) مرة
ومن فتاوى ابن تيمية المستنكرة يقول ابن تيمية إن المؤمن تجب موالاته وإن ظلمك واعتدى عليك والكافر تجب معاداته وإن أعطاك وأحسن إليك ( كتاب مجموع الفتاوى ج 28 ص 118). والسؤال المطروح، هل هذا يقبله العقل والمنطق ؟ أليس هذا دعوة للكراهية والبغض ضد المسيحيين واليهود وغير المسلمين قاطبة؟
أيضا يرى ابن تيمية على أن الكفار ليس لهم الشرعية في التصرف في أموالهم، أما المسلمون فلهم الحق في ذلك، وإن استولوا عليها غصبًا، لأنها تعتبر من الغنائم، مما يعطيهم حق الشرعية وحق التصرف فيها. فيقول ابن تيمية: "الكفار لا يملكون مالهم ملكًا شرعيًا ولا يحق لهم التصرف فيما في أيديهم. والمسلمون إذا استولوا عليها فغنموها ملكوها شرعا لأن الله أباح لهم الغنائم ولم يبحها لغيرهم ( الجزء السابع ص 34 نفس المرجع السابق )، ويقول أيضاُ:" الرزق مخلوق أصلا للمؤمنين ليستعينوا به على عبادة الله، فمن دخل دار حرب بغير عقد أمان فلا عليه أن يسرق أموالهم ويستبيحها وأن يقهرهم بأي طريقة كانت، فأنفسهم وأموالهم مباحة للمسلمين سواء أكانوا مقاتلين أم لا ج29 ص 124 المرجع السابق.)؟
كما يقول ابن تيمية عن الشيعة في مجموع الفتاوى المجلد 28 صفحة 479 (:" وَقَدْ أَشْبَهُوا الْيَهُودَ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ لَا سِيَّمَا السَّامِرَةُ مِنْ الْيَهُودِ ; فَإِنَّهُمْ أَشْبَهُ بِهِمْ مِنْ سَائِرِ الْأَصْنَافِ: يُشَبِّهُونَهُمْ فِي دَعْوَى الْإِمَامَةِ فِي شَخْصٍ أَوْ بَطْنٍ بِعَيْنِهِ وَالتَّكْذِيبِ لِكُلِّ مَنْ جَاءَ بِحَقِّ غَيْرِهِ يَدْعُونَهُ وَفِي اتِّبَاعِ الْأَهْوَاءِ أَوْ تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَتَأْخِيرِ الْفِطْرِ وَصَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَتَحْرِيمِ ذَبَائِحِ غَيْرِهِمْ ) وهو ما يثير الطائفية بين السنة والشيعة
أيضا قول ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28/ 108 ) ( ومن لم يندفع فساده في الأرض إلا بالقتل قتل، مثل المفرق لجماعة المسلمين والداعي إلى البدع في الدين ) أيضًا يقول ابن تيمية في مجلد الفتاوى الكبرى (2 /98): (الجهر بلفظ النية ليس مشروعا.. ويجب تعريف الفاعل بالشريعة واستتابته من هذا القول فإن أصر على ذلك قتل)
وكما أفتى ابن تيمية بقتل العلويين أفتى بقتل كل من ينتسب إلى الطائفة الدرزية حتى صُلحائهم إذ قال:" لا يباح أكل طعامهم وتسبى نساؤهم وتؤخذ أموالهم. فإنهم زنادقة مرتدون لا تقبل توبتهم ؛ بل يقتلون أينما ثقفوا؛ ويلعنون كما وصفوا؛ ولا يجوز استخدامهم للحراسة والبوابة والحفاظ، ويجب قتل علمائهم وصلحائهم لئلا يضلوا غيرهم ؛ ويحرم النوم معهم في بيوتهم"..( مجموع الفتاوى(9/ 222).
ونحن نتعجب من موقف الجماعات الإسلامية المتطرفة مثل داعش والإخوان والقاعدة وبوكو حرام والسلفيين وأنصار بيت المقدس وأنصار الشريعة وشباب المجاهدين بالصومال وجبهة النصرة وغيرهم وبعض من يعتبرون أنفسهم علماء - من تقبلهم لفتاوى ابن تيمية الإجرامية، رغم أن أكثر شيوخ عصره كانوا على تكفيره والحُكم عليه بالبدعة، حتى ابن خلدون لم يذكره في المقدمة ، بعد أن عدد فيه كبار العلماء، رغم أن ابن خلدون جاء بعد ابن تيمية بعشرات الأعوام.
فمنذ عصر ابن تيمية في القرن السابع الهجري حتى زمن ابن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر الهجري، كان أغلب شيوخ المسلمين يحكمون على ابن تيمية بالكفر والبدعة والشذوذ، ولولا إحياء الوهابية لتراثه لأصبح ابن تيمية وكتبه في حكم النسيان.
فالدعوة السلفية الوهّابية هي التي اتخذت من المذهب الحنبلي مرجعية فقهية، فد قاموا بنسخ وطباعة كتبه ونشرها وتوزيعها في مواسم الحج وكل البلاد الإسلامية بعد طبع أكثر من 840 مليون كتاب تروج لفكر ابن تيمية دون أن يتصدى أحد لذلك الهدم والتجريف والتخريف لعقلية المسلم إلا من بعض الأسماء القليلة التي بدورهم حاصروها وكفروها وطمسوها مع إهدار دمهم وقد ساعدهم على ذلك، أن البلاد الإسلامية دون كل دول العالم، لا تعاقب على إهدار الدم، وساعدهم في ذلك أموال البترول التي لولاها ما كانت للسلفية قدرة على هذا الانتشار ونشر المكتبات المتخصصة في نشر هذا الفكر المنحرف دون محاسب وأيضًا إهدائهم لمئات الكتب لكل المساجد حول العالم.
كما أن ابن تيمية هو من وضع الأساس لفقه الجريمة في الإسلام، ثم ناقش فروعه بتوسع وأَصَّلَ لهذه المسائل بفتاوى ومناظرات عقلية وشرعية، حتى باتت دعواته محل قبول لذوي الرغبات والنزعات الدموية العنيفة المتسترة بغطاء العلم والدين.
وهذا ضلال وانحراف، لأن الأصل هو فقه التعايش والسلام والتسامح والعدل والمساواة، لا الحرب والاعتداء، لأن العنف والقتل هي شريعة الشيطان، وعلى جامعة الأزهر التي أتشرف بالانتساب لها، أن تكشف ذلك للناس حماية لمستقبل الإسلام والمسلمين، وإلا ستكون هذه الجماعات والعلماء المؤيدين لهذا الفكر الإجرامى المنحرف، وقودًا للقضاء على المسلمين، وقد قام بعض الأطباء النفسيين بتحليل شخصية ابن تيمية من خلال كتاباته وقالوا عنه شخص مريض نفسى لديه نزعة وسمات إجرامية – لذا نحن نفتى بفسادِ فكره، وأن تأييد أفكاره على العموم أو الأخذ بها يكون من جاهل أو ضال أو مضلل.
هذا وعلى الله قصدُ السبيل وإبتغاءِ رِضَاه
E - rashed_orbit@yahoo.com