رئيس التحرير
عصام كامل

الجيش العربى.. على خطى «الناتو»


بمجرد الحديث عن قوة عربية مشتركة يتبادر إلى الذهن فورًا فكرة «الحلف العسكري»، ولا تمر ثوان معدودة حتى يلتقط العقل العربى أقوى حلف عسكري بالعالم حاليًا وهو حلف شمال الأطلسى (الناتو)، الذي يضم عددًا من الدول الأوربية إضافة إلى كندا والولايات المتحدة.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن «هل يستطيع العرب إنشاء حلف عسكري بقوة ودقة تنظيم حلف الناتو؟»، وقبل الإجابة عن هذا السؤال لابد من التعرف على قوة هذا الحلف وقدراته.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وظهور الاتحاد السوفييتى كقوة كبرى تسعى إلى فرض نفوذها خارج حدودها، عادت الفكرة تتجسد مرة أخرى من أجل تضافر جهود دول أوربا الغربية لإنشاء دفاع جماعى عن نفسها ضد أي عدوان شيوعى محتمل، خصوصًا بعد أن استولى الشيوعيون على مقاليد الحكم في تشيكوسلوفاكيا، فاتجه الأوربيون الغربيون إلى الولايات المتحدة وكندا للبحث عن إمكانية تحقيق الأمن المتبادل، وتوج ذلك بتوقيع 12 دولة على معاهدة حلف شمال الأطلسي، في 4 أبريل 1949.

تأسس حلف الأطلسى في إطار المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تبيح للدولة الحق في الدفاع عن نفسها منفردة أو بالتعاون مع دول أخرى، وذلك نتيجة لعجز المنظمة الأم عن إرساء قواعد بناء لنظام أمن جماعى دولي، وذلك في ضوء الانقسام الأيديولوجى بين القوى الكبرى بعد الحرب العالمية الثانية وبروز المعسكرين الغربى والشرقي.

بالفعل، بدأت الاتصالات بين دول غرب أوربا في 6 يوليو عام 1948 حول حلف «الناتو»، ثم توالى دخولها في الحلف الجديد تباعًا قبل إعلان نصوص الميثاق الجديد وتحديد ميعاد التوقيع في أبريل سنة 1949 بواشنطن.
يقع مقر قيادة الحلف في العاصمة البلجيكية (بروكسل)، التي تعد واحدة من 28 عضوا الموجود في أوربا وأمريكا الشمالية للحلف شمال الأطلسي.

أما أهداف الحلف فتتمثل في حماية حرية وأمن أعضائه من خلال الوسائل السياسية والعسكرية، ويمتلك «الناتو» قدرة عسكرية لتنفيذ عمليات عسكرية، طبقَا للمادة رقم 5 من معاهدة واشنطن وهى المعاهدة التي تم تأسيس الحلف بموجبها أو بتفويض من الأمم المتحدة في إطار منفرد أو بالتعاون مع دول ومنظمات دولية أخرى.

ويضم الحلف 28 دولة عضوًا هي: «الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، ألمانيا، إسبانيا، كندا، كرواتيا، تركيا، بلجيكا، المجر، ألبانيا، بلغاريا، البرتغال، إستونيا، التشيك، بولندا، هولندا، أيسلندا، سلوفاكيا، سلوفينيا، لاتفيا، اليونان، الدنمارك، لوكسمبرج، ليتوانيا، رومانيا، والنرويج».
تتكون من قوات الحلف من الدول الأعضاء، ويتم تخصيص استخدامها وفقًا لقوات إنذار الخطر، وتخضع القوات للسلطات الوطنية لدول الحلف في وقت السلم وأهم هذه القوات:

قوات التدخل السريع
تم تأسيسها في بداية الستينيات من القرن الماضي، وجرى إعادة تنظيمها عام 1991، لتتلاءم مع المهام الجديدة للمنظمة، في مواجهة الأزمات الطارئة، سواء في أوربا أو مناطق المصالح الرئيسية، وتتكون من قوات قوامها يتراوح ما بين (10 – 12) ألف فرد، وحجمها يصل إلى لوائين بريطانيين، ولواءين متعدد الجنسيات، تدعمها وحدات أمريكية وتضم مستويين:
(الأول): قوة التدخل السريع القادرة على التدخل في مناطق الأزمات، خلال 3 أيام، وحجمها يصل إلى نحو 5 آلاف فرد، مشكلة في لواء بريطانى عناصره القوات الخاصة والمدفعية وعناصر الدعم.
(الثاني): قوة للتدخل السريع القادرة على التدخل في مناطق الأزمات، خلال 7 أيام، وحجمها يصل إلى ما بين 5 ـ 7 آلاف فرد، مشكلة من لواء بريطانى ولواءين متعددتين الجنسيات (هولندا - بلجيكا).

القوة المركزية
تم الاتفاق على تكوينها، في حدود خطط تطوير هيكل القوات العسكرية للناتو، عام 1991، بهدف توفير الغطاء الأمني، بصفة أساسية لغرب أوربا، وهى تابعة لقيادة التحالف لوسط أوربا، وتتكون من 7 فيالق، منها: 4 فيالق ألمانية، وفيلق بلجيكي، وفيلق هولندي، وفيلق مشترك ألماني/ دنماركي.

وتعزز هذه القوة، القوات الأمريكية، المتمركزة بأوربا، وقد تمت مراعاة الاتجاه الخاص، لخفض الإنفاق الدفاعي، في تشكيل هذه القوات، بالإضافة إلى الوحدة الدائمة لأساطيل الأطلسي، وتشارك بها الولايات المتحدة، هولندا، كندا، بريطانيا، ألمانيا، وتعززها في أوقات الطوارئ بلجيكا، الدنمارك، النرويج، البرتغال، والوحدة الدائمة للأساطيل بالمانش، وتشارك فيها بلجيكا، ألمانيا، هولندا، بريطانيا، والوحدة الدائمة للأساطيل بالمتوسط، وتشارك فيها الولايات المتحدة، إيطاليا، تركيا، اليونان.

القوة النووية
تتكون القوات النووية الإستراتيجية لحلف الناتو من 3 عناصر هي: «الصواريخ البالستية العابرة للقارات (ICBMs)، الغواصات النووية القادرة على إطلاق الصواريخ البالستية، والقاذفات الثقيلة».

ورغم أنه من النادر إحصاء هذه الأسلحة، إلا أن عدد الأسلحة النووية وصل عام 1984 إلى نحو 6 آلاف رأس، وكذلك زوّدت القوات الأمريكية في أوربا بمئات من الذخائر النووية، صغيرة العيار، وعبوات نووية محمولة، بعض منها يمكن استخدامه في وقت الحرب، بواسطة وحدات كوماندوز، لتدمير كبارى العدو ووسائل المواصلات، والأهداف الأخرى الخفيفة.
في شهر مارس عام 1985، صدر قرار بواسطة مجموعة التخطيط النووية، بسحب الألغام الأرضية النووية، إلا أنه أعلن أن أسلحة تفجير نووية توضع في الاعتبار بدلًا منها.

تمتلك القوات الأمريكية مئات من الصواريخ، والآلاف من الذخائر المدفعية قصيرة المدى، التي يطلق عليها اسم أسلحة نووية ميدانية (أسلحة نووية تكتيكية)، وكانت قد نشرت في المواقع المتقدمة في أوربا الغربية.
وفى ديسمبر عام 1983، بدأت قيادة القوات الأمريكية في ألمانيا الغربية، نشر الصواريخ النووية بيرشينج ـ 2Pershing - 2، وهو صاروخ نووي، طويل المدى، سريع الإطلاق والطيران (FAST – Flier) قادر على إصابة الأهداف السوفييتية خلال 10 دقائق من إطلاقه.

إضافة إلى ذلك، تنشر القوات الجوية الأمريكية مئات القاذفات المقاتلة ذات القدرات النووية، على الأراضى الأوربية، كما تسيطر على الصواريخ من نوع كروز النووية، التي تطلق من قواعد أرضية، وبدأ نشرها في بريطانيا وإيطاليا عامى 1983 و1984.
ورغم أن حلف الناتو يعمل تحت مظلة الأمم المتحدة، ويجرى أخذ آراء الدول الأعضاء قبل التدخل العسكري في أي أزمة إلا أن الواقع يقول غير ذلك فالولايات المتحدة تسيطر على الحلف سيطرة تامة والتوجه السياسي لواشنطن هو من يحدد التوجه السياسي للناتو لأن أمريكا تتحمل الجزء الأكبر من الجانب العسكري.

خبراء كثيرون يعتبرون أن سيطرة أمريكا على الحزب نقطة تفوق إذ يساعد ذلك على سرعة اتخاذ القرار لصالح واشنطن بالطبع.
أما بالنسبة للقوة العربية المشتركة المتوقع إنشاؤها، خلال الفترة المقبلة، فتواجه عدة أزمات أهمها عدم تحديد الدول القادرة على تحمل فاتورة التسليح الباهظة للقوات، بالإضافة إلى أن عضويتها ستكون اختيارية ما يهدد بعدم القدرة على اتخاذ قرار عسكري موحد حال حدوث الأزمات.

وتحتاج القوة العربية المشتركة إلى مظلة قانونية تعمل تحتها، وهى غالبًا جامعة الدول العربية، ولكن هناك احتمالا بعدم موافقة دول الجامعة على إنشاء حلف العسكري مما يهدد وجوده قانونًا، ولا تزال هناك مشكلات مرتبطة بالقيادة المركزية للحلف والعاصمة أو العواصم التي ستتواجد بها القيادة، والمطلوب من الدول المختلفة مع دولة القيادة، كل هذه الأسئلة تجيب عليها الأيام المقبلة، وجميعها يصب في اتجاه نبذ خلافات العرب قبل الحديث عن الحلف.
الجريدة الرسمية