شارع "عزبة اليمن"
لم أعاصر حرب اليمن ولم أعايشها شأني في ذلك شأن أجيال كثيرة ولكني ارتبطت بها ارتباطا وثيقا فقد ولدت ونشأت وتفتحت عيناي وتشكل وعيي ومازلت بشارع "عزبة اليمن" ببلدتي "ميت خاقان" بمحافظة المنوفية، وأدركت مبكرا منذ نعومة أظفاري أن تسمية الشارع بهذا الاسم يرجع إلى مشاركة مجموعة من رجال الشارع بحرب اليمن وأن منهم من قضى نحبه واستشهد فيها ومنهم من انتظر حتى عاصرته وعايشته واقتربت منه في مرحلة متقدمة من عمره، منهم الحاج حسانين مرسي المزين وشقيقه الحاج عبدالخالق، ومنهم أيضا الحاج عبدالرازق عبدالعال والحاج عبده قاسم، وغيرهم..
جميعهم رحلوا.. وبقى الشارع باسمه شاهدا على حدث تاريخي هام وجلل.. يستحثنا أن نتذكره ونتأمله لعلنا نتعلم منه.. فلا فائدة من تاريخ لا يستفاد من دروسه، ولا يكتسب منه الخبرة والمعرفة.. خاصة ونحن نكاد نكرر نفس الحدث مرة ثانية.. ونتجه إلى الانخراط في الأزمة اليمنية من جديد..
صحيح أن الظرف التاريخي مختلف بين حرب ستينيات القرن الماضي وحرب الألفية الثالثة.. صحيح أن الجيش المصري الآن يختلف عن ذي قبل عدادا وعدة وخبرات متراكمة.. صحيح أن موقف المملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية اختلف بين مناصرة رجال الإمام محمد البدر حميد الدين ضد قوات المشير عبدالله السلال المدعوم من مصر وقتها والتي أرسلت نحو 70 ألف جندي في مسرح عمليات مجهول وغير معهود للجندي المصري.
ولكن علينا أن ندرك أنه المقابل فإن إيران باعتبارها قوة إقليمية لا يستهان بها تناصر في هذه الحرب الحوثيين وبقوة، وسط تفاهمات ومقايضات سياسية عديدة مع القوى الدولية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث إن الاتفاق الأخير الذي تم التوصل إليه ليس تفاهما في الشأن النووي بقدر ما هو تفاهم حول ترتيبات إقليمية معينة تلعب فيها إيران دورا مهما.
أضف إلى ذلك الموقف التركي غير الواضح والملتبس، ففي الوقت التي أيدت فيه أنقرة تدخل التحالف في اليمن وأعلنت دعمها لها، ذهب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إيران ليعيد العلاقات بين البلدين أقوى مما كانت عليه، ويجري الحديث حول توقيع اتفاقيات عسكرية بين أنقرة وأديس أبابا بقيمة 500 مليون دولار، وهو ما يضع علامات استفهام حول الموقف التركي بالكامل.
وإذا كان البعض يعول كثيرا على تأثير التغير الحادث في النظام الدولي بين الحربين وتحوله من الثنائية القطبية إلى الأحادية القطبية، وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية قيادة العالم ودعما وتأييدها للتدخل في اليمن وتقديمها مساعدات مختلفة سواء استخباراتية أو لوجستية أو غيرها لمساعدة قوات التحالف باليمن، فعلينا أن نعي أن روسيا والصين يقفان بقوة ضد التدخل العسكري باليمن ويفضلان الحلول السياسية، ويدعمان إيران بقوة في مساندة الحوثيين.
يزيد من صعوبة ذلك أن الموقف الأمريكي نفسه من الأزمة اليمنية غير مأمون العواقب، ولنا في التاريخ القريب عبرة وآية، فنحن لم ننس بعد كيف أن واشنطن أوردت الرئيس العراقي صدام حسين موارد التهلكة عندما زينت له التدخل في الكويت واحتلالها والسيطرة عليها، وكانت أول من اعترضت على ذلك واتخذت منها ذريعة للقضاء عليه، وتفكيك جيشه وإضعاف شعبه وتفتيته.
كما أننا مازلنا نذكر كيف أن الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الذي تزعم فيه حربها على الإرهاب وتكوين تحالف دولي لمحاربة داعش، تسقط عليه الأسلحة والذخيرة وتسهل له الاستيلاء على المدن والقرى، لتطيل أمد المواجهة تحقيقا لإستراتيجيات خاصة بها.
إن إدخال مصر القوى العسكرية الوحيدة الباقية بالمنطقة العربية والسعودية القوة الاقتصادية والمالية الأكبر في المنطقة في حرب طويلة الأمد من شأنه أن يضعفها عسكريا واقتصاديا بما يمكنها من تنفيذ مخططها بالمنطقة والذي لم يعد خافيا على أحد والذي يستهدف إعادة رسم خريطة المنطقة وتقسيم دولها.. فهل نعي الدرس ونستفيد من عبرة التاريخ ونجيد التعامل معه.. حتى لا يكون هناك شارع باسم "اليمن" في كل قرية وحي ومدينة..