المستريح يبني العاصمة الجديدة
التهليل سيهز أرجاء المحروسة والتكبير سيملأ الفضائيات وسيتغنى إعلام (حلق حوش) المزيف للوعى كثيرا إن قرر الرئيس السيسي إلغاء مشوع العاصمة الإدارية الجديدة لمصر، تمامًا مثلما كبروا واحتفلوا وتغنوا بالنقيض... للأسف هذا هو حالنا وحال الجهاز الذي يفترض أنه يشكل وعى المصريين ،وتلك هي أكبر المخاطر التي تواجه مصر والرئيس نفسه الذي جعلوا منه المنقذ الأوحد للاقتصاد والسياسة والأمن والشئون الاجتماعية وكل شىء بلا استثناء أو مبالغة!
رجل واحد يحل محل دولة، رجل أوحد يفكر ويخطط وينفذ كل ما يخص 90 مليون مصرى.. ما فائدة مؤسسات الدولة إذن وما دور الوزراء والمجالس القومية المتخصصة والجامعات ومعاهد البحث العلمى وما دور الشعب الذي عليه أن يشاهد فقط ما يحدث دون إبداء رأيه فيما يخص حياته وحياة أبنائه وأحفاده... أليس الرئيس بشرا مثلنا عرضة لقوانين الطبيعة وأحكام الخلق، فيخطئ ويصيب ويحتاج من يشير عليه ومن يساعده في كثير من الأمور إن كان يرأس مؤسسة صغيرة؟ فما بالك إن كان يدير دولة في ظروف شديدة الخطورة داخليا وخارجيا... وإن كانت في نظرى، تحديات الداخل أوقع خطرا بكثير من الظروف الإقليمية المحيطة بنا، فالمجتمع الذي سمع كثيرا عن العدالة ولكنه لم يجربها ولم ينل ثمارها تتزايد لديه الإحباطات بشدة ويتراكم الحنق المكتوم عنده لدرجة أنه يتندر فعليا ويتشوق على أيام مبارك !
وها نحن تعيدنا الظروف المشابهة إلى عصر حسنى مبارك مرات عديدة وليس مرة واحدة، ففى عام 2007 بعد اشتداد الغضب الشعبى الذي كانت حركة كفاية تعبيرا عنه في الشارع المصرى... وبعد أن شعر مبارك أنه أفلس ولم يعد لديه ما يقدمه للشعب بعد موجة غلاء وصلت لطعام الغلابة الشعبى من فول وكشرى وخضراوات تسبب فيها المقربون من أسرته الحاكمة، جمال وعلاء وسوزان، وجد مبارك أن أفضل طريقة لإلهاء الشعب هي الإعلان عن مشروع كبير يحيى الآمال بعدما خاب وفشل مشروعه السابق توشكى... أتتذكرونه؟!
قام جهاز النفاق الإعلانى والإعلامي لمبارك بالدعاية والترويج لمشروع العاصمة الجديدة للدولة بدلا من القاهرة... ثم إذ فجأة يعلن نفس بوق النفاق عن إلغاء المشروع..لماذا..كده وخلاص، على اعتبار أنها وسية مبارك والشعب ليس له حق فيها، مجرد أجير يطفح وهو ساكت.
لكن الأمر يختلف هذه المرة وسط شعب يتعاطى السياسة منذ أربع سنوات حتى دون تقنين مثل الحشيش الذي يفكرون في تقنينه، أو ربما توزيعه على البطاقات مثل دجاجة وزير التموين التي تباع بـ 75 قرشا في أرض الأحلام والخيال والنعيم الذي تمتلكه وزارة محلب...ما يهمنا هو أن مشروع العاصمة الجديدة الذي لا تحتاجه مصر مطلقا وليست في وضع من الرفاهية لتقوم بإهدار 500 مليار جنيه حبًا وكرامة وتدليلًا لثلة من الأثرياء الذين ضجوا بفقراء المصريين من حولهم ويريدون كمبوند عالميا أرقى من مدينتى التي أهدرت حكومة نظيف أرضها من رصيد الشعب المفقور يوميا.
الرئيس أعلن هذا الأسبوع أن تلك العاصمة ستمول من خارج ميزانية الدولة.. حسنا وأنا معه جدا في هذا ولكن.. ما المقابل يا سيادة الرئيس..هل الإمارات أو غيرها ستمول لنا مجانا ودون مقابل، وهل الشراكة معها ستكون مقابل منحها الأرض بأسعار متدنية مع أن المصريين بالخارج والداخل لا يستطيعون شراء متر أرض في الصحراء لارتفاع أسعارها !
لذا الإمارات أو غيرها طالما كانت المشروعات عقارية ترفيهية ربحيه غير إنتاجية، لماذا ونحن لدينا وفقا لتقرير البنك المركزى المصرى ودائع تقدر بألف وخمسمائة وستين مليار جنيه تبنى ثلاث عواصم وليست واحدة فقط... لماذا وعندنا أمثال ( المستريح ) الذي أقنع الكثيرين بأرباحه ونجح في جمع مليارين في غفلة من الدولة التي تبحث عن أموال من الخارج بينما أموال الداخل تكفى جدا، نريد استثمارا حقيقيا ينتج سلعا حقيقيه ويسهم في دوران رأس المال على الجميع وليس لدولة من الأغنياء منا فقط... إن كان ولا بد من إنشاء عاصمة جديدة فالبنوك المصرية أولى والأموال متكدسة فيها ولكنها ليست الحل.. الحل في الإنتاج والتصنيع والزراعة التي لنا معها شأن آخر في مقال قادم بإذن الله.
fotuheng@gmail.com