الاتفاق مع إيران والأمن في الشرق الأوسط
مثل الاتفاق الذي توصلت له إيران مع مجموعة 5+ 1 خطوة حاسمة بالوصول إلى حلول للعناصر المهمة لبرنامج العمل المشترك في الملف النووي الإيراني، وبموجبه ستواصل إيران برنامجها النووي السلمي لكن مستوى وحجم تخصيب اليورانيوم وحجم احتياطي إيران سيتم تحديده خلال فترات زمنية محددة وسيكون "نطنز" هو المركز الوحيد لتخصيب اليورانيوم في إيران.. وستتم الأبحاث وتنمية تخصيب اليورانيوم في إيران على أجهزة الطرد المركزي بناء على جدول زمني ومستوى متفق عليه.
في المقابل يلتزم الاتحاد الأوربي برفع كل عقوباته الاقتصادية والمالية المرتبطة بالبرنامج النووي كما ستوقف الولايات المتحدة تنفيذ العقوبات المالية والاقتصادية الثانوية المرتبطة بالبرنامج النووي تزامنا مع تنفيذ إيران لالتزاماتها النووية الرئيسية بشكل يمكن التأكد منها من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما سيتم إصدار قرار جديد من مجلس الأمن الدولي يؤيد فيه البرنامج الشامل للعمل المشترك وستلغى فيه كل القرارات السابقة المرتبطة بالموضوع النووي وستوضع بعض التدابير المقيدة المحددة لفترة زمنية متفق عليها...
يحقق الاتفاق الإطاري للمتابعين نجاحا على الصعيد السياسي والدبلوماسي جاءت بعد مفاوضات طويلة استمرت أكثر من 12 عاما بين إيران ومجموعة الدول الغربية، تم طرح خلالها جميع الأوراق والمواءمات والتحالفات والتحالفات المضادة، وتقديم تنازلات من الطرفين.
ولا شك أن أول تأثير لهذا الاتفاق والتي قد نستفيد منه على الجانب العربي هو التأثير السلبي لهذا الاتفاق على الموقف العسكري للحوثيين والدعم الإيراني المقدم لهم والذين تتعرض معسكراتهم للقصف طائرات التحالف العربي، وإذا كان هذا الدعم سيستمر من بعض المرجعيات الشيعية، لكن على النطاق الرسمي فإن النظام الإيراني يتعامل معهم من منطلق مصالح إيران العليا، ويرى في الحوثيين وحزب الله وفي حركات شيعية عديدة في المنطقة مجرد أدوات تخدم أجندة الإمبراطورية الفارسية تحت غطاء المذهب الشيعي لا أكثر.
ورغم المعارضة الإسرائيلية للتقارب الإيراني الغربي، إلا أن الاتفاق خاصة بعد ما يصبح نهائيا في 30 يونيو المقبل يفتح مجالا لتقارب أمريكي إيراني خاصة أن بينهما مصالح مشتركة عديدة في أفغانستان ودول جنوب ووسط وغيرها، كما يعيد إيران للعب دور على الساحة الإقليمية والدولية بشكل أوضح وأكثر تأثيرا من ذي قبل.
هذا الاتفاق يشير أيضا إلى استمرار سياسة الكيل بمكيالين وازدواج المعايير الدولية، فإذا كانت الولايات المتحدة لديها هذا القدر من الصبر في استمرار التفاوض مع إيران وعملية الشد والجذب بين الطرفين لمدة 12 عاما، فهي لم تطرح فكرة التفاوض أو حتى فكرة التأكد أن البرنامج العراقي سلمي أم غير سلمي بل اتخذت القرار الأصعب وهو قصف وتدمير مباشر للمنشآت النووية العراقية بدءا بالضربة الإسرائيلية في الثمانينيات ثم الغزو الأمريكي للعراق في 2003، بل قد تكون نقلت ما يملكه العراق من تقنيات نووية لإيران حيث تم ملاحظة تحرك شاحنات تنقل صناديق كبيرة الحجم من العراق لإيران وقتئذ واستمر ذلك لسنوات.
وتكسب إيران من هذا الاتفاق عددا من المميزات تضاف إلى مميزات الاتفاق الأول الذي تم بين الطرفين في 23 نوفمبر 2013 والذي وفر لها كسر العقوبات والحصول على 7 مليارات دولار دون أن تتنازل عن خطوطها الحمراء في استخدام الطاقة النووية السلمية، وكسب الغرب منه تعطيل البرنامج النووي الإيراني للوصول للقنبلة النووية عدة أشهر.
ويمس هذا الاتفاق ركيزتين أساسيتين لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وهما الاستخدام السلمي للطاقة النووية ومنع الانتشار النووي، وسيعقد مؤتمر مراجعة معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية في أبريل/مايو 2015، حيث يعد المؤتمر حاسما لمسار المعاهدة في حد ذاتها ولمدى مصداقيتها وتحقيق الهدف منها وهو الوصول إلى عام خال من الأسلحة النووية.
كما قد يعيد هذا الاتفاق أفكارا عديدة يطرحها الخبراء حول حل الأزمة النووية الإيرانية وطمأنة للهاجس الخليجي والعربي عامة من برنامجها النووي ومن أهم الأفكار المطروحة فكرة دورة وقود نووي إقليمية تشترك فيها إيران الأمر الذي يتيح الرقابة الإقليمية والدولية في نفس الوقت.
يعيد أيضا هذا الاتفاق إلى الأذهان، المطالبة بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وكافة أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط وهو فكرة إيرانية أساسا ثم انضمت لها مصر وطورتها، وهو مطلبا ظل لأكثر من 40 عاما دون تحقيق تقدم يذكر في هذا الصدد، على الرغم من المرجعيات الدولية في هذا الشأن منذ قرار إنشاء منطقة خالية في الشرق الأوسط في مؤتمر مراجعة وتمديد المعاهدة عام 1995، ثم الوثيقة الختامية لمؤتمر مراجعة معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية لعام 2010 والتي تضمنت خطة عمل من أجل تنفيذ قرار 1995، من أهم بنودها عقد مؤتمر دولي لإنشاء المنطقة الخالية عام 2012، لكن لم ينفذ وتم تأجيله بحجة التوترات في منطقة الشرق الأوسط بعد أحداث الربيع العربي، مع مطالبات عربية بضرورة تنفيذ قرارات مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار في 1995 و2010، وترقب دولي وعربي لما سيكون عليه رد الفعل العربي في مؤتمر مراجعة المعاهدة في 2015.