تعترفون بقيامتي
الاعتراف: هو أن تعي الحق وتؤمن بما تعيه وتشهد لما تؤمن به.. ولما كان الرب يسوع قد أوصى تلاميذه القديسين والمؤمنين من بعدهم أن يبشروا بموته، ويعترفوا بقيامته، ويعيشوا منتظرين مجيئه الثاني المخوف المملوء مجدًا.. فإن هذا يتضمن أن المؤمنين يفهمون جيدًا حقيقة الصلب والقيامة والمجيء الثاني.. ويؤمنون بعمق بهذا الحق الإلهي إيمانًا اختياريًا كيانيًا، ويشهدون في كل مكان بما يعيشونه.
فالاعتراف له فعلان: أحدهما باطني يستغرق الحياة الداخلية، ويتناول الفكر والوجدان والمشاعر والاشتياقات والاتجاهات النفسية.. والآخر خارجي يمتد إلى الحياة الاجتماعية والتفاعل مع الآخرين..
وفي اختصار.. الاعتراف اختباري كياني.
أهمية الاعتراف مسيحيا: قد يرى البعض أنه لا داعي لأن يحمل الإيمان الاعتراف الجهري، وينادي هؤلاء بأن الله يتعامل مع القلوب والنيات.. ولكن هذا الاتجاه يتضارب مع الحق وتعاليم الكتاب المقدس.. فالقديس بولس يقول في رسالته إلى رومية "لأن القلب يؤمن به البر والفم يعترف به للخلاص".
وينتقد الكتاب المقدس في إنجيل يوحنا البشير، جماعة اليهود الخائفين من رؤساء المجمع، فيقول إن كثيرين كانوا قد آمنوا بالرب يسوع لكنهم لم يتجاسروا أن يعترفوا به؛ لأن اليهود كانوا قد اتفقوا فيما بينهم أنه لو اعترف واحد بأن يسوع هو المسيح يطرد خارج المجمع، ويقول الرب يسوع من فمه الطاهر "فكل من يعترف بي أمام الناس اعترف أنا أيضًا به أمام أبي الذي في السموات.. ومن ينكرني أمام الناس.. أنكره أنا أيضًا أمام أبي الذي في السموات".
فالاعتراف الباطني والعلني: هو ضرورة حتمية للتلمذة والبنوة ونوال الحياة الأبدية، وثمة أهمية كبرى لهذا الاعتراف، وهو حاجة العالم إلى هذه الشهادة، فالعالم الساقط والتائه، والغارق في بحر الخطايا والهموم والارتباطات الأرضية، يحتاج إلى قلوب مليئة بقوة القيامة، ونفوس تشع فرحًا ونعيمًا وسلامًا.. هذه القوة المحولة هي وحدها التي تضيء ظلمة هذا الدهر، وتملح تربته التي لعنت وصارت تنبت شوكًا وحسكًا..
مجالات الاعتراف بالقيامة: لقد كانت الشهادة بقيامة المسيح هي كرازة الكنيسة في العصر الرسولي.. كانت قوتها وفرحها وعزاءها وكل شيء لها.. فيسجل لنا سفر أعمال الرسل قائلًا: "وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع ونعمة عظيمة كانت على جميعهم"، وعندما أراد الرسل اختيار واحد مكان يهوذا التلميذ الخائن الذي سمح به الرب أن يكون ضمن تلاميذه.. طالبوا المؤمنين الذين هم الشعب، بأن يختاروا واحدًا شاهدًا معهم بقيامة الرب يسوع.. وهذه الشهادة التي أزعجت الحكام ولكن الرسل والمؤمنين لم يكفوا عنها مهما كانت الاضطهادات قائلين: "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس".
فالكرازة بقيامة المسيح، هي حجر الزاوية في إيمان المسيحيين، والكنيسة تشهد للقيامة في صلواتها وتركز على قانون الإيمان الذي يتلى من الفم والقلب في كل صلواتها، وهي تعتبر المعمودية شركة مع المسيح في موته وقيامته، إذ يقول الكتاب فدفنا معه في المعمودية للموت، حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الأب، هكذا نسلك نحن أيضًا في جدة الحياة؛ لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضًا بقيامته.. إن كنا قد متنا معه نؤمن أننا سنحيا أيضًا معه.
وفي سر الأفخارستيا، تؤكد الكنيسة حقيقة موت المسيح وقيامته؛ إذ يقول الأب الكاهن على فم الرب يسوع "في كل مرة تأكلون من هذا الخبز وتشربون من هذه الكأس تبشرون بموتى وتعترفون بقيامتي وتذكرونني إلى أن أجيء".. المسيح قام.. بالحقيقة قام.
وكل عام وأنتم بخير.