رئيس التحرير
عصام كامل

هنا نويبع.. البقعة الساحرة التي نسيتها الدولة.. محرومة من السياحة بفعل فاعل.. البدو يشكون لربهم ظلم الحكومات المتعاقبة.. السيسي يوجه رسالته للوزارات لتدارك الموقف.. وجمعية «سياحة مصر» سبقت ا


الطريق إليها لا ينبئ بنهاية سعيدة.. الحفر والتآكل يخفيان معالم الأسفلت.. تشعر أن هناك من يتعمد إهماله وتكسيره لأسباب غير مفهومة.. فكل الطرق المؤدية إلى تلك البقعة الساحرة لم تصل إليها معدات الرصف أو الإصلاح منذ زمن بعيد فتحولت إلى ممرات عذاب ضيقة متهالكة تصلح بديلا لتنفيذ عقوبة الأشغال الشاقة.. وتتواصل الشكاوى والاستغاثات للحكومات المتعاقبة ولا أحد يستجيب.

جنة على الأرض

وعندما تصل إلى نهاية الطريق.. وتعانق عيناك سحر نويبع تكتشف أن رحلة العذاب الطويلة نهايتها جنة الله في أرضه.. جبال بديعة الألوان والأشكال ترسم لوحة جمالية من صنع الخالق تعانق السماء الصافية بلون مياه خليج العقبة التي تبعث في النفوس راحة وأملا وجمالا.

وتكاد تصاب بالجنون عندما تسأل نفسك لماذا تتعمد الحكومة الحالية تجاهل نويبع وطابا رغم أن هذه المنطقة وحدها يمكن أن تدر ربع دخل السياحة في مصر لطبيعتها النادرة من جبال ملونة وشواطئ ساحرة ومياه صافية وطقس رائع في كل أوقات العام.



إغلاق القرى

وإذا كانت حكومات العهود السابقة أهملت نويبع وطابا فلماذا تواصل حكومة محلب هذا التجاهل المريب رغم أن السيسي يدعو ليل نهار لجذب السياح وتشجيع المستثمرين الذين بدءوا في إغلاق بعض القرى السياحية بسبب صمت الحكومة وعدم تحركها لاستغلال هذا الكنز السياحي.. لماذا تترك الحكومة استثمارات سياحية بأكثر من 10 مليارات جنيه.. وتهمل أكثر من 22 ألف مواطن دون حد أدنى من الخدمات والمرافق أو فرص عمل؟


فالطرق السيئة ليست الوحيدة التي تسببت في انحسار السياحة عن نويبع وطابا.. لكن أيضا تم إغلاق المطار وكأن هناك من يتعمد تعذيب أي سائح يفكر في قضاء إجازته في تلك المنطقة.




سياحة السفاري

وتم أيضا وقف سياحة السفاري بسبب الحالة الأمنية وهذه قضية مهمة تحتاج إلى وقفة من وزير الداخلية والأجهزة الأخرى المعنية لإعادة سياحة السفاري وبث الروح في المنشآت السياحية وإنقاذ بدو نويبع وطابا من الحالة الاقتصادية والمعيشية التي أصابتهم خاصة أن أعدادا  كبيرة منهم يعيشون على سياحة السفاري فعودة السياحة في هذه الحالة هي قضية أمن قومي.

والملفت للنظر أن جنوب سيناء بشكل عام ومنطقة نويبع وطابا بشكل خاص تتمتع بهدوء أمني بفضل أبناء قبيلتي السواركة والمزينة وهما  القبيلتان الوحيدتان في المنطقة وتتميزان بالترابط الأسري والتماسك الشديد ولديهم حس وطني عال وإدراك لأهمية السياحة وحماية السائح وتشجيعه على العودة مرات ومرات إلى نويبع وطابا.. وهذه الحالة يجب أن تشجع الأجهزة الأمنية على إعادة سياحة السفاري لا سيما أن أبناء القبيلتين يشاركون قوات الأمن في تأمين السياح بفضل معرفتهم بتفاصيل دروب الجبال والوديان بدليل أنه لم تحدث مشاكل للسياح في تلك المنطقة مما يستلزم أيضا إيجاد بدائل أمنية لنظام التفويج الذي يزعج السائح الأجنبي.



بدون علاج

ويعاني أهل نويبع بشكل عام والبدو بصفة خاصة من إهمال الوزارات.. لا وجود للصحة أو أي وسيلة لعلاج المواطنين.. فمستشفى نويبع عبارة عن مبنى فخم بدون أجهزة أو أطباء مما دفع جمعية سياحة مصر وتنمية البيئة إلى تقديم أجهزة طبية للمستشفى وتنظيم قوافل من الأطباء  لعلاج المرضى وإجراء عمليات جراحية لهم وتقديم أجهزة تعويضية لكثير من الحالات التي تحتاج لها. 


فالجمعية أصبحت طاقة النور وسط ظلام الإهمال الحكومي ويأس أهالي نويبع من تجاوب أحد مع مشاكلهم.. فبدأت منذ أكثر من 19 شهرا في تنظيم قوافل تطوعية للتواصل مع بدو نويبع وطابا.. هي صورة صادقة للعطاء والإيمان برسالة الخير والأمل في جزء عزيز من الوطن ولأهالينا من البدو الذين يعشقون تراب مصر.





انطلاق الفكرة

منذ سنوات طويلة كان زميلنا الكاتب الصحفي السيد الدمرداش يحدثني كل ليلة في سهرات وسط البلد حيث تجتمع كوكبة من الكتاب والمثقفين عن ضرورة إنشاء كيان تطوعي يتواصل مع الناس في أي مكان.. فهو دائما مهموم بالهم العام.. وباعتباره خبيرا في الملف السياحي كان وما زال مؤمن أن السياحة هي المنقذ لمصر من أزماتها الاقتصادية والاجتماعية.


ولم أفاجأ عندما أخبرني بتأسيس جمعية سياحة مصر وتنمية البيئة من أجل التواصل المجتمعي مع التجمعات المحيطة بالأماكن السياحية ووقع الاختيار على البدء ببدو نويبع.



عطاء الشباب

وجاءت بسمة فؤاد.. شابة رائعة.. أينما وجدت تجد معها العطاء والحماس والأمل في شباب ومستقبل مصر.. تتعلم منها كيف يكون العطاء قمة السعادة الإنسانية.. هي فلسفة حياة مليئة بالبهجة والعمل والخير.. وأصبحت رئيسا لمجلس إدارة الجمعية لتشكل مع الدمرداش كتيبة من المتطوعين الذين يقدمون نموذجا راقيا في السمو وحب الآخر وإسعاده.. مؤمنين برسالتهم ويؤدونها لوجه الله والوطن لأعز الناس في أغلى قطعة من تراب مصر.

واستطاعت بسمة فؤاد التواصل بنجاح غير عادي مع الفتيات والسيدات البدويات والعمل على حل مشاكلهن ورفع الوعي لديهن وتشجيع الكثيرين منهن على الإنتاج من خلال المشاغل التي أقامتها الجمعية بهدف تحويل المرأة البدوية إلى طاقة منتجة وتنمية وتطوير التراث البدوي.




دور الوزارات

وتلقفت وزارة السياحة الفكرة منذ بدايتها ورأت فيها تجربة جادة تستحق المساندة فأصبح للوزارة دورا بارزا في انجاح قوافل الخير التي تزداد وتنمو يوما بعد يوم من أجل تنشيط السياحة والارتقاء بالمجتمعات المحيطة بها باعتبارها جزء لايتجزأ من المجتمع السياحي ككل


كما حرصت وزارات البيئة والشئون الاجتماعية والمحليات بجنوب سيناء على مساندة التجربة.. وكان ومازال للواء خالد فودة محافظ جنوب سيناء دورا بارزا ومؤثرا في رعاية أنشطة الجمعية وتشجيع قوافل الخير التي تنظمها ايمانا منه بدعم العمل التطوعي الناجح..
لكن التحديات كثيرة والطموحات كبيرة وتحتاج إلى المزيد والمزيد من تحرك الجميع من أجل تحقيق الأهداف المرجوة.. فلابد من دخول مؤسسات الدولة الرسمية هذا المجال من خلال دفع الجمعيات التطوعية الجادة والمشاركة في رسم سياساتها وتوفير المقومات اللازمة لنجاحها في مهمتها



التواصل المجتمعي

وعندما تتجول في نويبع لا يخلو حديث بين أبنائها سواء في المدينة أو بين البدو من الكلام عن أنشطة الجمعية المتنوعة ما بين إقامة مشاغل للفتيات والسيدات المعيلات لتحويل المرأة البدوية إلى طاقة منتجة وتقوم الجمعية بتسويق منتجاتهن وتوزيع العائد كاملا عليهن. 

إلى جانب زراعة الأشجار المثمرة.. وتعليم الأطفال الفنون واكتشاف المواهب بين تلاميذ المدارس.. وتنظيم دورات توعية لكل فئات المجتمع البدوي في مختلف المجالات مثل الحفاظ على البيئة والسياحة وترسيخ مفهوم العمل الجماعي والتعاون مع الآخرين.






ميناء نويبع

يبقى أن أهالينا في نويبع يشعرون بالظلم من تجاهل الحكومة لهم.. فميناء نويبع الذي تكلف 350 مليون دولار وكان من المفترض أن يكون مفتاح الخير والفرج عليهم أصابه الإهمال أيضا.. فلم يتم استغلاله مثلا في تنشيط سياحة اليخوت للاستفادة من أجمل ساحل وأروع شواطئ من طابا حتى امتداد ساحل البحر الأحمر في حلايب وشلاتين.

ويشكون من عدم تشغيل أبناء البدو في الميناء رغم وجود كيانات شرعية مثل الجمعية التعاونية الزراعية التي قدمت تصورا متكاملا لتتولى التنسيق مع إدارة الميناء في اختيار العمالة المطلوبة.



محطة الصرف

وحتى محطة الصرف الصحي التي أقيمت في قلب المدينة تحولت إلى برك راكدة تتجمع فيها أسراب الناموس التي تهاجم المسافرين على الطرق الدولية وتزحف على البيوت لدرجة أنها تسببت في إصابة عشرات المواطنين بأمراض جلدية خطيرة استلزمت حالتهم نقلهم للقاهرة للعلاج وذلك بسبب مخالفة محطة الصرف للمواصفات وسرقة ماكينات تحريك مياه الصرف التي تحول دون ركود تجمعات المياه المتدفقة على المحطة بجانب عدم بناء غابة شجرية كما كان مخططا للمشروع فتحولت إلى بؤرة أمراض ومرتع للأفاعي والثعابين والحشرات الضارة.


تقريبا كل المشاكل تجمعت في هذه البقعة الساحرة.. لا مياه شرب.. لا رعاية صحية.. لا وجود للتعليم لدرجة أن التلاميذ يدرسون منهج اللغة العربية فقط لعدم وجود مدرسين لباقي المناهج.

هنا في نويبع تغيب الدولة بكل وزاراتها وخدماتها ويكاد الاستثناء الوحيد هو حضور الأمن بكل أجهزته ويلعب دورا كبيرا في استقرار المنطقة.





قرية الصيادين

في أحضان الجبال الملونة.. تظللها السماء الصافية.. وعلى بقعة خضراء تحيطها مياه خليج العقبة.. مكان له خصوصيته من الجمال والروعة.. هنا قرية الصيادين.. يتحرك عمالها كخلية نحل.. يوزعون ابتساماتهم على زوارها.. لا يفتر حماسهم رغم قلة عدد السائحين.


يملأ المكان حيوية وأملا شخص هادئ متفائل، هو المهندس سامي سليمان رئيس جمعية مستثمري طابا ونويبع. 

له رؤيته العميقة فيما جرى للسياحة.. ولديه الحلول السحرية لاستعادة أمجادها خاصة في بقعة ساحرة مثل طابا ونويبع ويتوقف الحل على توافر الإرادة الحقيقية لأجهزة الدولة من أجل وضع هذه المنطقة في بؤرة الاهتمام.





دعوة السيسي

منذ أيام دعا عبد الفتاح السيسي كافة أجهزة الدولة إلى مساندة المنظمات والجمعيات التطوعية الجادة في أنشطتها لرعاية الفئات المعنية بالمجتمع وذلك خلال اجتماعه مع عدد من ممثلي تلك الجمعيات.. فماذا تنتظر الوزارات والهيئات لتتحرك بفاعلية لدعم جهود الجمعيات الجادة مثل سياحة مصر وتنمية البيئة وغيرها من النماذج المشرفة التي تؤمن برسالة العمل التطوعي بكل معانيها السامية.

وماذا تنتظر لسرعة التواصل مع بدو طابا ونويبع لحل مشاكلهم المتراكمة بسبب إهمال السنين والعقود الماضية.

وإلى متى سنترك طابا ونويبع بدون سياحة والحلول في أيدينا حتى تستعيد المنطقة أمجادها السياحية ويتدفق الخير على مصر والمصريين.

الجريدة الرسمية