بورسعيد يا وطن
تعوّدنا فى النظم الديكتاتورية أن يهمَل رأى المعارضة، وأن يهمل رأى الأفراد، لكن أن تُهْمَل مطالب مدينة، وأى مدينة، بورسعيد قلعة النضال الوطنى، فهذا جنون كامل .
مطلبها عادل جدًّا، هو القصاص لشهدائها الذين ماتوا برصاص رجال من فوق سجن بورسعيد وهم أمامه، هل لا تعرفهم وزارة الداخلية؟ وهل يقتنع أحد بأنها لا تعرفهم وهم فوق سجنها، وقتلوا أيضا من فوق الأسطح وهم يشيعون جنازات شهدائهم.
الذى فعل ذلك كان يفعله لإخافة أهل بورسعيد الذين ثاروا على الحكم بإعدام المتهمين بقتل شباب ألتراس أهلاوى. وهؤلاء كان يمكن التصدى لهم بشكل آخر غير القتل، وكان يمكن من قبل الحكم أن يقام عازل بعيدًا عن السجن الذى به المتهمون.
وكان يمكن الحوار معهم وامتصاص غضبهم، وإقناعهم بالطريق الوحيد للعدالة وهو المحكمة، لكن الذى فعل ذلك ربما كان يريد ربما شراء خاطر ألتراس أهلاوى، فقتل المحتجين على الحكم متصورًا أنها النهاية، والأقرب هو تقديم درس لأى معارض.
درس جديد فى وزارة داخلية جديدة أفسدت كل محاولات رأب الصدع بين الداخلية والشعب، الذى فعل ذلك كان يقدم درسًا جديدًا فى التعامل مع المحتجين، ولا يدرى ما سيحدث بعد ذلك، العقيدة السخيفة عن إرعاب الشعب وإرهابه التى لا يعترف النظام الجديد بأنها انتهت، هل لا يرى ما يحدث فى بورسعيد؟
عصيان مدنى يزداد كل يوم، وامتد إلى عدد من البنوك أخيرًا، وسيشمل قريبًا كل مصانع ومرافق الدولة هناك؛ لإهمال المطلب الرئيسى، وهو محاكمة قتلة الشهداء من فوق سطح السجن، ومن فوق أسطح العمارات أثناء جنازة الأول، هذا المطلب هو الأول والأخير الذى يريده أهل بورسعيد، ويريده كل وطنى فى هذا الوطن.
لكن النظام الجديد بقيادة الدكتور مرسى تطورعن نظام مبارك، فلم يعد يكتفى بإهمال الرأى، بل بإهمال القصاص من القتلة ومعاقبتهم، وهذا هو الذى لم يكن يتصوره أحد، هل معنى أن وزارة الداخلية صارت تأتمر بأمر الرئيس وصار يشكرها، يمكن أن تستمر كذلك، وهل هناك من يخاف فى مصر الآن، وخاصة شعب مثل شعب بورسعيد وشعب مدن القناة؟ عمومًا الذين كانوا دائمًا حائط الصد المنيع ضد إسرائيل، والذين دفعوا من أجل استقلال هذا الوطن، كما لم يدفع غيرهم عبر ستين سنة، بورسعيد بدأت الأسبوع الثالث فى العصيان المدنى، وهناك مدن أخرى تحاول أن تلحق بها.
صحيح أنها لم تقطع نفس الشوط مثل بورسعيد، لكنها ستتقدم فيه، وبصفة خاصة الإسماعيلية والسويس والمحلة والمنصورة التى لا يتوقف فيها الاحتجاج كل يوم، ورغم ذلك لا أحد يعترف بالخطأ من الحكام، لا الرئيس ولا رئيس وزرائه ولا وزير الداخلية، ولا ينظر أحد كيف تستمر بورسعيد فى العصيان رغم أن المدن الأخرى تتأخر فى اللحاق بها ولا تيأس، وقد يرى النظام أن بورسعيد ستشعر باليأس قريبًا، وربما العزلة، غير مدرك لحجم الخسارات المادية التى يسببها العصيان، وهو الذى يوجع رأسنا كل يوم عن الأزمة الاقتصادية .
لا يدرك النظام الحاكم أن بورسعيد لن تشعر بالعزلة، وستزداد قوة يومًا بعد يوم أكثر مما هى عليه من قوة، وتستدعى فى وعيها الجمعى أيام العدوان الثلاثى، وأيام الهزيمة فى عام 1967، وستستمر، وستفخر بذلك ونفخر معها فيما بعد، ليس فى قصر الرئاسة، ولا فى الوزارة، ولا فى الحرية والعدالة كجماعة أو حزب لا يعرف طبيعة الشعوب ولا طبيعة الشعب المصرى.
وهذا طبيعى جدًّا من قوم يعتبرون أن من عداهم كفار ليسوا على ملتهم التى لا يصدقها أحد بعد هذه الإساءات للإسلام التى ظهرت فى قتل أبناء الشعب، وتظهر كل يوم، وفى اغتيال النشطاء وتعذيبهم، وفى القبض على الأطفال وحبسهم من نظام يسمى نفسه بالإسلام! للأسف هذا النظام يعيش على تراثه من العزلة وعدم الفهم لطبيعة مصر والمصريين.
وها نحن الآن نرى تحولًا سيكون له ما له فيما بعد، فأهل بورسعيد الذين كانت ملحماتهم النضالية على طريق الجيش المصرى فى المقاومة والحرب يلوذون الآن بالجيش بفعل الالتحام التاريخى بين شعبها والجيش، والدعوة تكبر لتصل إلى آخرين فى بلاد أخرى كبيرة، وربما يفكر الإخوان الآن كما فكر المجلس العسكرى السابق أنهم ساعة الصفر سيعطون الثورة لمن يعتقدون أنه لا يحبها.
أعطاهم المجلس العسكرى السابق الثورة بطريقة أو بأخرى، وهم حين اليأس قد يفكرون لترك البلاد للمجلس العسكرى، متصورين أنه سيعود للعب معهم، لكن المجلس العسكرى الآن قد أخذ الدرس التاريخى، ولن يعود لأفعال المجلس السابق، وسيكون أكبر ضحاياه إذا حدث ذلك ليس الثورة وشبابها، لكن هذه الجماعة نفسها، ولن ينطلى على المجلس العسكرى ما قد يفعله الإخوان المسلمون، فهو يعرف أن الشعب لم يعد يريد هذه الجماعة، وأنه -الشعب- لن ينتهى ثأره معها ما دامت خذلته وقتلته، ولا تراه إلى هذا الحد البشع! وهكذا فمستقبل هذه الجماعة سيحدده الشعب فى الحالتين .
ibrahimabdelmeguid@hotmail.com