رئيس التحرير
عصام كامل

بين ضياع القيم.. وهدم الدين


أسوأ ما ابتليت به مصر خلال الخمسة وثلاثين عاما الماضية، هو عملية التجريف الفكري والثقافي والعلمي والإبداعي، والذي كان له انعكاسات سلبية خطيرة أفرزت العديد من الظواهر التي عانينا ونعاني وسنظل نعاني منها لفترة ليست بالقصيرة، ومنها العشوائية والقبح والجهل والبلطجة والانحلال الأخلاقي، وأصبحنا أمام انحرافين كلاهما مر إما انحراف أخلاقي وإما انحراف ديني.


إن أشد ما تصاب به الأمم هو ضياع القيم، والقيم في حضارات الشعوب بمثابة مركز التحكم والسيطرة، إذا اختلت القيم والمبادئ فيها، فقدت بوصلتها، فضلت رؤيتها وانحرفت عن الطريق السليم، وتفرقت بها السبل، وتقاذفتها الأنواء، وفقدت إحساسها بالحاضر، وإيمانها بالمستقبل.

ورغم شيوع المظاهر التي تؤكد ضياع القيم، حتى بات من المؤكد أننا نتجه نحو ترسيخ مفاهيم وقيم ومبادئ جديدة تتعارض مع إرثنا التاريخي والثقافي والحضاري بل والأخلاقي، قيم مذمومة، وأخلاق ممجوجة، ومبادئ معيبة عفنة، تكشف حجم ما أصاب المجتمع من عوار، فإنني فقد اكتفي بالإشارة إلى بعض الأمور الكاشفة والتي شهدناها مؤخرا من بينها تكريم الراقصة والدة مغتصب وقاتل الطفلة زينة باعتبارها أما مثالية، بعدما تم العام الماضي تكريم راقصة أيضا باعتبارها أما مثالية، وإغفال آلاف النماذج المضيئة ما بين علماء ومفكرين وبسطاء كادحين ومثابرين.

أضف إلى ذلك تكريم أحد المنتجين السينمائيين المعروف عنه أنه أحد أسباب نشر البلطجة والإباحية ومفاسد الأخلاق ومخاطبة الغرائز لدى فئات عمرية معينة.

إننا ونحن نتجه إلى تأسيس الدولة المصرية الجديدة والساعية إلى تأسيس مشروع حضاري ناهض، من المفترض أنها تقوم شأنها في ذلك شأن أي حضارة شهدها التاريخ الإنساني على "العلم والعمل والقيم الدينية بما في ذلك الأخلاق"، فإذا بنا نتجه إلى اتجاه معاكس تماما، وهو ما يتطلب منا جميعا وقفة مع النفس وإعادة التفكير في توجهاتنا واتجاهاتنا.

أما عن هدم الدين، فقد فهم البعض خطأ مطالبة الرئيس عبدالفتاح السيسي بضرورة وجود ثورة دينية أنها ثورة على الدين، في حين حرص السيسي نفسه في أكثر من لقاء خاصة مع وسائل إعلام أمريكية على التأكيد على أنه "لا يطالب بثورة على الدين وإنما ثورة من أجل الدين".

وللأسف الشديد فإن البعض من أصحاب الفكر المعوج والمنطق المضلل وأصحاب الانتهازية السياسية بادروا بتقديم خدماتهم مستغلين الوضع السياسي الملتبس في محاولة منهم لتحقيق مكاسب شخصية أو فكرية، ولعل من أبرزهم ما نعيشه هذه الفترة من أزمة مفتعلة حول "إسلام البحيري".

وما ساعد في بروز أزمة البحيري وتحولها إلى ظاهرة صوتية، أنها كانت نقطة تلاق لثلاث مصالح مختلفة، المصلحة الأولى ويمثلها البحيري نفسه والذي تسيطر عليه شهوة الشهرة والمال، وأمر مسيئ جدا بل ومشين أن نساوي بينه وبين فرج فودة، فالأخير كان صاحب فكر اتفقنا أو اختلفنا معه على عكس البحيري.

أما صاحب المصلحة الثانية فهو مالك القناة الفضائية التي يبث منها إسلام سمومه، وباعتباره رجل إعلانات من الطراز الأول فقط وجد في هذا الجدل والسجال وسيلة رائجة للترويج الإعلاني يجني من ورائه أموالا طائلة بغض النظر عن مردودها القيمي والأخلاقي.

وقد وجدت بعض الأجهزة أنه فيما يجري من سجال ونقاش وخلاف أداة جيدة تدخل في إستراتيجية الإلهاء التي تحدث عنها تشومسكي.

ورغم كل شىء فإن لما يجري عدة نتائج مهمة، ولعلنا نذكر الهوجة التي شهدناها من قبل حول "هل صليت على النبي محمد صل الله عليه وسلم اليوم"، وكيف أن التناول الإعلامي الفاشل والعقيم لها أدى إلى اتساعها وتمسك الناس بها، نفس الشىء سيحدث الآن والناس ستزداد تمسكا بالدفاع عن دينها حتى وإن كانت لا تصلي، ولا تلتزم بأخلاقه ومعاملاته، الأمر الخطير الذي يجب أن يتنبه له الجميع أن الجماعات المتطرفة والإرهابية ستحاول استغلال ما يحدث وتصويره على أنه حرب على الإسلام وربما تزج بالدولة في ذلك.
الجريدة الرسمية