رئيس التحرير
عصام كامل

رياح الطائفية وتمزيق اليمن


سمى الرومان اليمن باسم اليمن السعيد، بسبب أرضه الجبلية الخصبة وأمطاره الغزيرة، لكن هذا اللقب لا يبدو ملائما بالمرة في الوقت الراهن، حيث يعانى اليمن، الذي يعد أفقر بلد في الشرق الأوسط، من نسبة بطالة مرتفعة للغاية وتناقص احتياطياته من المياه والنفط، كما يعد معقلا لأخطر فروع تنظيم القاعدة.


ويتمزق اليمن الآن بفعل تصارع العديد من الأطراف، وتقود المملكة السعودية غارات جوية على اليمن تحت اسم عاصفة الحزم، حيث تستهدف بصواريخ موجهة بدقة مواقع جماعة الحوثي المتمردة، التي نزلت من معقلها الجبلي في أقصى شمالي البلاد، واجتاحت بلدة تلو الأخرى وأطاحت بالرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي، الذي تعترف به الأمم المتحدة.

وأزعجت هذه التطورات السعودية ودول الخليج الأخرى، خاصة لأنهم يشتبهون في أن إيران تقف وراء التقدم المذهل، الذي حققه الحوثيون، وإلا كيف كما يقول السعوديون لي، يمكن أن تحصل مجموعة فقيرة من رجال القبائل على التدريب والسلاح والمال، لتسيطر على نصف مساحة اليمن.

هناك بعد طائفي للمسألة أيضا، فالحوثيون ينتمون لمذهب الشيعة الزيدية، الذين يشكلون نحو ثلث سكان اليمن، وينظر حكام السعودية بارتياب إلى الشيعة، الذين يعتبر الكثير منهم إيران زعيما روحيا لهم.

أما السعودية فغالبية سكانها ينتمون للمذهب السني، وبدأ السعوديون يرون أنهم محاطون بوكلاء لإيران من كل الاتجاهات: في لبنان، سوريا، العراق والآن في اليمن.

وقالوا طفح الكيل، وفي قمة سرية في السعودية الشهر الماضي، دشنوا معا تحالفا من عشر دول، في محاولة خليجية متأخرة وقد يكون محكوما عليها بالفشل، لإزاحة سيطرة الحوثيين على اليمن، وإعادة حليفهم الرئيس هادي إلى السلطة.

لكن في الحقيقة فإن الحوثيين يدينون بنجاحهم العسكري إلى شخص أقرب كثيرا إلى اليمن، لقد شكلوا تحالف مصالح، أو اتفاقا مع الشيطان، مع الشخص الذي سعى للقضاء عليهم منذ نحو خمس سنوات، أنه على عبدالله صالح، الذي حكم اليمن الشمالي أولا ثم وحد اليمن، حتى أزيح عن السلطة ضمن ثورات الربيع العربي، بعد أن قضى فيها نحو 35 عاما.

ورفض "صالح"، الاقتناع بأن اليمن أفضل حالا بدونه، ولذلك فقد شرع في إفشال الانتقال السلمي للسلطة، الذي بذلت الدول الصديقة لليمن أقصى جهودها من أجل رسم ملامحه، وبقيت كافة وحدات الحرس الجمهوري موالية له، وحدثت الانفجارات، وجرى الاقتتال للسيطرة على البلدات.

الرئيس هادي الذي خلف صالح، وهو مسن ودود ينتمي إلى اليمن الجنوبي، ليس لديه خبرة بمكائد صالح، ولابد أنه يندم على اليوم الذي ترك فيه سلفه يبقى في اليمن، كرئيس لليمن خاض صالح ستة حروب ضد الحوثيين، وانتهت آخرها بهدنة هشة، والآن يستخدمهم لتدمير من يراهم قد اغتصبوا سلطته.

الحوثيون مقاتلون أشداء ويتسمون بالشراسة، واعتادوا على شظف العيش فوق الجبال البركانية، التي تفصل بين اليمن والسعودية، لكن الحوثيين وحلفاؤهم لا يزالون يسيطرون على أغلب المناطق المهمة في اليمن، على الرغم من مرور أكثر من أسبوع على بدء الغارات الجوية المعروفة بعاصفة الحزم.

وإذا لم تفلح تلك الغارات في إزاحة الحوثيين، فإن السعودية لا تستبعد إمكانية التدخل العسكري البري، لكن الجميع يعلمون أن ذلك يحمل مخاطر هائلة، بجر المملكة إلى مستنقع يحولها إلى جيش احتلال وفريسة للهجمات، وخلافا لذلك، فإن الحوثيين لديهم خصم أكثر خطورة، وهو تنظيم القاعدة الجهادي، والجهاديون هم سنة متعصبون، ويكرهون كل الشيعة بمن فيهم الحوثيون.

في اليمن تبدو القاعدة القوة الوحيدة القادرة على مواجهة الحوثيين على الأرض، وانضم كثيرون إلى صفوف تنظيم القاعدة، بعد اقتحام سجن وهروب عشرات السجناء من مقاتلي التنظيم، وقريبا سيحشدون القبائل السنية من أجل الانضمام لصفوفهم، وقتال الحوثيين القادمين من الشمال.

إن ما يحدث في اليمن والمنطقة العربية من تقسيم وتفتيت، لهو خير شاهد على تحقيق الحلم الصهيو أمريكى بتقسيم المنطقة.
الجريدة الرسمية