رئيس التحرير
عصام كامل

إسلام بحيري.. فاز فقهيًا وخسر أخلاقيًا!


في "المصارع" أعظم فيلم أجنبي - كما نعتبره والمكتسح لجوائز الأوسكار قبل سنوات - ينصح معلم المصارعة بطلة "ماكسيموس"، وهو الدور الذي قام به النجم الأشهر "راسل كرو"، فيقول: في أي مبارزة "عليك أولا أن تكسب الجمهور"!


ونقول: المواجهات والمناظرات فعلا فن في ذاته.. فن في القدرة على إثبات الحقوق ودفع الأذى.. في إبراز المآخذ على الخصوم وتأكيد تجاوزهم.. فن في استدراج الخصم للخطأ وإثباته عليه دون قدرة منه على التراجع.. فن في الإتيان بالدليل الدامغ وتأجيل الضربات القاضية إلى الوقت المناسب!

ليس بالضرورة أن يخسر المناظرات فاقد الحجة أو يكسبها من يمتلكها بل يمكن تماما أن يحدث العكس.. ورغم أن النتيجة النهائية في مناظرة إسلام البحيري والدكتور عبد الإله رشدي، في رأينا أن إسلام كسبها فقهيا وخسرها أخلاقيا، وإليكم الأدلة:

لم يكن من الأدب - ورغم الحملة ضده ومطاردته ومقاضاته - أن ينكر إسلام على خصمه درجة الدكتوراه ويناديه بالأستاذ.. ولم يكن لائقا أن يرى إسلام الأستاذ أسامة كمال يعتذر عنه ويتمادى فيما يعتذر عنه نيابة عنه.. ولم يكن لائقا أن يستهدف الدكتور رشدي بشخصه وليس بينهما خصومة سابقة.. وكان الأفضل أن يستهدف ما يمثله ويعبر عنه.. ولم يكن لائقا أن يقاطع مدير الحوار وخصمه بعد الاتفاق على عدم المقاطعة.. لكن لم يكن يليق بخصمه أن يثبت تهمة أقل ما توصف أنها شنيعة على الإمام علي بن أبي طالب - باب مدينة العلم - من أجل أن يؤكد صحة رواية البخاري!، فالإمام علي الذي تربى في بيت النبوة لا يقتل بغير حق، وإن قتل بحق فلا يحرق ولا يمثل بقتلاه! 

ولم يكن يليق به أن يقول إن "الفقهاء لا يحددون سنا معينا للزواج"، في حين قرر القرآن الكريم السن وبما لا يجوز فيه لبشر أن يقرر غيره ولا معه.. ولم يكن يليق به أن يقول إن "العلماء لم يقرروا شيئا من عندهم بل نقلوه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام"، إذ أنه بذلك ودون أن يدري يثبت كل أخطائهم وهي بشرية على المعصوم عليه الصلاة والسلام، ولا نعرف كيف لم يلتفت بحيري لذلك!

ما اتفق عليه المتحاوران أن الأئمة بشر لا عصمة لهم، وأنهم يخطئون ويصيبون إلا أن الدكتور "هاشم" نسى ذلك أثناء الحوار وراح يبرئهم وينزههم بكل الطرق باستثناء الإمام علي، ورغم أن تهمة "بحيري" الأساسية هي إهانة الأئمة والعلماء!

الملاحظة المهمة أن المساحة الأساسية لوقت الحلقة استهلك في الشكليات وإثبات اتهامات سابقة لا علاقة لها بصلب الموضوع.. لماذا؟، لأن لو أن إسلام نفسه - مثلا مثلا - جاهر بكفره قبل الحلقة، وأعلن توبته فيها لسقط عنه كل شيء!!، ولكان سؤاله في الاتهام عبثا لا طائل منه ولا مبرر له.. لذا كنا نرى أن يذهب وقت الحلقة كاملا عن الأسس التي يبني كل طرف أفكاره عليها ونقاط الاختلاف مع الطرف الآخر.. لذا ضاعت فرصة مهمة لمناظرة حقيقية بين مدرستي العقل والنقل في فهم الإسلام!

تبقى نقطة أساسية ومهمة بخلاف التحية الواجبة للمحترم أسامة كمال، ولبرنامجه هي: هل صحيح أن لـ "إسلام بحيري" مشروعا فكريا مستقلا؟، أم هو استمرار لمدرسة ممتدة من الإمام محمد عبده مرورا بالشيخ علي عبد الرازق ثم الشيخان شلتوت ومخلوف والباقوري وطنطاوي الجوهري، ثم عبد الرزاق نوفل وأحمد صبحي منصور ومحمد سعيد العشماوي وفرج فودة، وخليل عبد الكريم والسوري الرائع محمد شحرور والجزائري محمد أركون، إلى الماليزي قاسم أحمد والأمريكية آمنة ودود إلى السوري عدنان الرفاعي وغيرهم وغيرهم.

غدا سنجيب عن السؤال!!
الجريدة الرسمية