البحيري بطل من ورق
انشغل الرأي العام المصري خلال اﻷيام اﻷخيرة، بإشكالية إسلام البحيري وبرنامجه الذي قدم على مدى عشرات الحلقات الكثير من الافتراءات والنقد المباح وغير المباح للتراث الإسلامي، بأسلوب يمكن أن نشخصه أنه شخص سطحي يتحدث عن قضايا عظيمة تخص الشريعة الإسلامية، وربما ما زاد العامة اهتماما بمتابعته، وسعت الفضائيات المختلفة لعقد مناظرات علنية له إعلان اﻷزهر مقاضاته، وتقديمه طلبا لهيئة الاستثمار بوقف برنامجه، وتقديم أحد المحامين دعوى قضائية ضده مطالبا فيها بمقاضاته لإساءته وتطاوله على الذات الإلهية والقرآن والسنة والصحابة والمذاهب اﻷربعة، فضلا عن مطالبة الدعوى، التي حددت محكمة القضاء الإداري بالقليوبية جلسة 19 أبريل الجاري لنظرها، بوقف برنامجه وإغلاق قناة القاهرة والناس، ومنعه من الظهور على شاشات الفضائيات وحذف حلقاته من موقع اليوتيوب.
كل هذه التهم والجرائم نسبها مقيم الدعوى للبحيري، وهو الذي بدا كأنه ضحية التحجر وبحور الظلامية التي انفجرت، وعاش لحظة كونه ضحية جديدة للظلاميين في هذا العصر، بينما هو المجدد للدين، وأنه من يسعى لهدم التراث لإعادة تقديمه بشكل جديد، أو كما قال هو إن مشروعه هدم أركان التراث الإسلامي وإعادة تقديمه.
وفي الوقت الذي أعلن فيه اﻷزهر مقاضاة البحيري؛ لحجم ما قدم من إساءات للإسلام ومحاولته النيل من نصوص القرآن الكريم والإساءة للدعاة واﻷئمة اﻷعلام، بعد صمت طويل جعل كثيرين ينكرون على اﻷزهر ما قام به، وظهرت دعوات لمناظرته فضائيا من علماء مخلصين يتقدمهم الدكتور الشيخ أسامة اﻷزهري، والشيخ خالد الجندي وغيرهم كثيرون.
وبين المقاضاة والمناظرة، أجد أن اﻷولى باﻷزهر أن يصطف وبكل قوة خلف المناظرة الفكرية؛ ﻷنها هي التي ستكشف البحيري على حقيقته من سطحية وحديث عن قضايا مستهلكة، وتنصف التراث الإسلامي الذي نؤمن جميعا بأنه جهد بشري، وأن نقد أي جهد بشري جائز دون خلاف بين عموم العلماء بكل أجيالهم ﻷن كل يؤخذ منه ويرد بخلاف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لكن الإشكالية الكبرى أن كل علم يوغل فيه برفق، وأن من يوغل في العلم يجب أن يملك أدواته الكاملة التي تؤهله لذلك.
وإذا كان اﻷزهر طلب رسميا من هيئة الاستثمار إيقاف برنامج إسلام بحيري وسعى لمقاضاته، ولم يعلن صراحة مناظرته ودعم العلماء الذين تطوعوا لذلك، فإننا نؤكد أن ما فعله اﻷزهر هو ما سيصنع لإسلام بحيري مراده بأن يصبح "نجم شباك" وضيفا دائما على كل الفضائيات، وهو ما تحقق له وأصبح بطلا لكنه بطل من ورق.
نساند اﻷزهر ليبقى قائدا للمؤسسة الدينية والدعوة الإسلامية في العالم، إﻻ أن ما تم في قضية البحيري ربما جانبه الصواب، وحقق للبحيري مراده المتمثل في زيوع الصيت والشهرة، وأن يصبح حديث العوام والمثقفين، وكان اﻷولى مواجهة الفكر بالفكر، وطرح ما تحدث عنه من قضايا على ميزان أهل العلم بما يعيد اﻷمور إلى نصابها.
enafie80@yahoo.com