رئيس التحرير
عصام كامل

حفلة على روح إسلام البحيري!


استعدوا سلفا لمقتل وجنازة إسلام البحيري، بعد أن أعطى رد المشايخ، والموتورين، والمحسوبين على أزهرنا الشريف، ترخيصا بأن الفتى إسلام خرج على الأئمة، ودحض أفكار التطرف، ووصف بعضهم بسفاح الفتاوى، فيما هو منسوب إليه، وكذبه على الهواء في مناقرة، ومناطحة لخالد الجندي، وله، أساءت لكليهما، وأدمت وجهيهما أمام المشاهدين في برنامج "على مسئوليتي" لأحمد موسى!


لماذا هذا الغلو في التهجم وفي الحشد وفي التعبئة، وفي التحريض، على رجل اختار أن يمشي بالعقل في عالم النقل؟!

النقل في اللغة، هو كل ما تركه لنا السلف من تراث، وأما العقل، فهو الاجتهاد والتفكير، ومنذ زمن بعيد، وحتى الآن لا تزال المعركة مستمرة، ومستعرة بين أناس يقدسون المنقول، ويبطلون العقول!، وبين أناس يعملون العقل، ولا يتقبلون النقل على علاته وعوراته، بل يتفحصون، ويتمحصون، ويعرضونه لظروف العصر، ويقيسون على احتياجات الناس، قياسا على قاعدة التيسير، دونما مساس بالثوابت الأصيلة في ديننا الحنيف.

لا شيء مقدس سوى كتاب الله، ورسول الله، ومن بعد النبي، نجل ونحب ونوقر أصحاب رسول الله، عليه أزكي السلام وأطيبه.. وما تركه النبي من سنة، هو موضع إجلالنا وانحنائنا، ويبقى بعد ذلك، من حقنا ومن واجبنا مناقشة المنقول عبر عصور تختلف كلية عن عصرنا، خصوصا إذا كان الكلام المسطور، مما يتجافى مع المنطق، والفطرة السوية، ويطلق الحدود على الفروع، وهو ما ضرب به إسلام البحيري المثل، من أن الإمام ابن تيمية، ١٢٦٣ ميلادية، حنبلي مجتهد، يلقب بشيخ الإسلام، ومورد المتطرفين في فتاواه التي عاصرت المغول، أفتى بقتل رجل مسلم، إن لم يتب عن الجهر بنية إقامة الصلاة؛ لأنه يشوش ويشوشر على بقية المصلين!!

للشيخ خالد الجندي حوار مذاع مع عمرو أديب، عن شراء النساء في عصرنا الحالي في أي بلد يوافق فيه ولي الأمر، أي الحاكم، على بيع النساء، ولما اندهش عمرو، وسأل هل هذا حلال بدون زواج، قال الجندي، هي عندئذ مما ملكت يمينك!!

أليس في ذلك توسع، ربما يفهم منه أن الدولة التي تسمح بالبغاء، تتيح للباحث عن شراء امرأة لساعتين أو ليلة، أن يمارس الدعارة محميا ومستورا بفتوى الشيخ خالد الجندي؟!

أولى بشيوخنا أن يخلصوا الإسلام من شهوات المسلمين، حتى لقد صار الإسلام دينا متخصصا في أمرين أو شهوتين، شهوة القتل، وشهوة الجنس!!

لم يبتعث الله رسوله، مبشرا بدين جنسي، ولا دموي، دين ينحصر همه الأكبر في الجزء السفلي من النساء، بل هو دين العقل والسمو والتدبر، لا الدبر!

وما أعجب ما انزلق إليه الأزهر من مناصبة العداء لعقل يفكر ويدحض، بل مضى إلى استعداء الأجهزة ضد برنامج تليفزيوني، هز ركود العقول، واستفز الخمائر العطنة، وحصل على إنذار من هيئة الاستثمار بغلق إسلام البحيري وتكميم عقله وفمه وإخراسه في غضون أسبوعين؛ لأنه يشيع الفتنة!

لا نحسب أبدًا أن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، ممن يفكرون على هذا النحو الإداري التعسفي، ونحسب أن المعروض عليه، لم يكن بكامل أمانة العرض؛ لأن القضية أولا وأخيرا قضية عقل، لا مولوتوف، ولا سكين، ولا سيف!

هل يخشى علماء الأزهر عقلا؟!

لا نظن، ففي الأزهر علماء يجلون العقل كما يناقشون النقل، ولا يسقطون في دورة تقديس، ما لا يجوز ولا يخطر على عقل عالم!

التراث فيه الصحيح، وفيه الخطأ..  لا يترك كله، ولا يؤخذ كله، وهو في الأول وفي الآخر تعبير عن زمنه، واجتهاد محمود، فيه صواب وفيه خطأ، فلماذا نقبل منهم اجتهاد عصورهم، ونحرم رجال وعقول عصورنا من النظر بعين العقل والقرآن والسنة، فيما جد ويجد، فيما طرأ ويطرأ علينا؟!.. أنعيش عصرنا بعقول ألف عام مضت؟!.. أنستدعي القبور لتدير العقول؟!

التفكير والتجديد فريضة حق، طالما لا تنال من كتاب الله وسنة رسوله الكريم، نبغي العقل والمنطق والنظافة والطيبة والسماحة والحب والرحمة لكل الإنسانية.

لا تقتلوا إسلام البحيري، ولا تقدموه وليمة لأعشاب الإرهاب.
الجريدة الرسمية