رئيس التحرير
عصام كامل

الغنوة الحلوة


في انعقادها السادس والعشرين لم يغفل أي من الرؤساء والملوك والأمراء عن ذكر حكايتها وكأنها قصيدة غنائية عذبة أحببناها كثيرًا فصرنا نرددها في كل مناسبة تسمح لنا بذلك٬ لم يتردد أي منهم في رفع الشعار الذي طالما رفعوه بقوة وحماس٬ لم يتخل أي منهم عن توضيح دور جامعة الدول العربية في دعم قضيتها٬ لم ينكروا انتهاك الحقوق والحريات فيها ولم يتنازلوا عن رفع الحصار عنها!


إنها القدس العتيقة.. إنه الشعب الصبور.. إنها الدولة المستعمرة.. إنها القضية الفلسطينية! فمازال هناك من يتحدث ويشجب ويدين ويعترف وينكر ومازال هناك من ينصت لهذا العبث.. نعم هذا العبث!

سألت نفسى كثيرا لماذا يخدع العرب أنفسهم طوال الوقت بشعارات رنانة ليدعموا ما كانوا وسيظلون عاجزين عن دعمه ؟ لماذا ينكرون سلبيتهم وقلة حيلتهم وعجزهم عن مواجهة عدو محتل وهم متخفون خلف العبارات والمفاهيم الهشة في عالم لا يعرف سوى مفهوم واحد هو مفهوم القوة؟ لماذا وقفوا عاجزين أمام تقسيم فلسطين إلى ثلاثة كيانات، دولة عربية وأخرى يهودية وثالثة تحت وصايا دولية؟ لماذا وقفوا مكبلى الأيدي أمام تهويد المدن الفلسطينية وإقامة المستوطنات الإسرائيلية؟ ربما لأننا لم نتعلم كيف نقاتل صفًا واحدًا تعلمنا فقط كيف يقاتل بعضنا بعضا٬ فقد نجحنا في فشلنا ببراعة لا نحسد عليها وحتى إن كان هذا هو المخطط المنشود فنحن من سمحنا يومًا بتنفيذه!

الحقيقة أن ما يثير العجب والدهشة أن أحد أسباب نشأة جامعة الدول العربية كان القضية الفلسطينية! فقد أصدرت جامعة الدول العربية قرارا سنة 1946 يتعلق بفلسطين جاء فيه "إن مجلس جامعة الدول العربية يؤكد من جديد عزم دول الجامعة العربية مواصلة الدفاع عن حقوق عرب فلسطين حتى يرجع الحق إلى نصابه، وإن مجلس الجامعة لن يلين ولن ينثني عن عزمه على رفضه أي مشروع من شأنه أن يؤدي إلى تقسيم فلسطين، أو تأسيس رأس جسر صهيوني فيها، كما أنه لن يدخر وسعًا في القيام بكل ما تتطلبه الظروف والأحوال للاحتفاظ بصفة فلسطين العربية باعتبارها جزءًا حيويًا من الوطن العربي الكبير"!.

لم أفهم أبدا ما الفائدة من الاعتراف بأهداف ومبادئ لا نستطيع تحقيقها! فهذا القرار الذي صدر منذ نحو سبعين عامًا حدث خلالها كل ما يخالف أبسط حقوق أي إنسان ولم تأخذ دولة عربية واحدة موقفا يذكره التاريخ ومع ذلك مازالوا حتى اليوم يسيرون على الطريق الغامض ذاته وربما عن اقتناع!

ضحكت اليوم كثيرًا حين تذكرت تلك الدراسة التي وضعتها وزارة الخارجية البريطانية قبل توقيع ميثاق جامعة الدول العربية تحت عنوان "تاريخ القومية العربية وأصول الجامعة العربية" والتي أبدت فيها بريطانيا "تخوفها" من ازدياد المطالبين بالوحدة العربية، ما جعلها تعلن خلال الحرب العالمية الثانية عن تعاطفها مع مطلب الوحدة العربية! 

أعلم أنه لم يكن محور انعقاد هذه القمة في الأساس هو القضية الفلسطينية وأن ما يمر به الشرق الأوسط من مآس ومن مؤامرات داخلية وخارجية وتحالفات ونزاعات طائفية اليوم كفيل بتمزيق نسيج الأمة العربية، وإن كانت فلسطين ذاتها هي نموذج واضح على هذا الانقسام والصراع الداخلى الأعمى، وأعلم كذلك أننا مازلنا على حافة الهاوية وأن تحميل النظام السياسي الحالي أكثر مما يتحمله من معاناة داخلية وخارجية هو درب من دروب الخيال ولكن دعونا نتفق في نهاية المطاف – شئنا أم أبينا - على أن توحيد صفوف الأمة العربية هو المخرج الوحيد من الأزمة، كما أن الاعتراف ومواجهة الأخطاء المتراكمة على مدى سنوات طويلة يجب أن يكون في مقدمة أي رؤية سياسية.
الجريدة الرسمية