رئيس التحرير
عصام كامل

"عادل إمام" و"أحمد زكي" ونبوءة البواب!


رفع الفنان أحمد زكى سماعة الهاتف، وشرع في الرد على أحد مُكالمات مُعجبيه، وبعد الثناء من المُعجب على الأداء العبقرى للنجم الأسمر في فيلمه الأحدث وقتها "أيام السادات"، اختتم المُتصل المُكالمة مؤكدًا للنجم الشهير: "من كُتر إعجابى بالفيلم، بشوفه كُل يوم"!


طبعًا كنجم كبير، يعرف قيمة الفن، ويعشق ثقة وإعجاب الجماهير بأعماله، كان على "زكى" أن يطير فرحًا بتلك الشهادة، وهو يضع جميل المُشاهد على رأسه: "حضرتك بتتعِب نفسك، وتنزل كُل يوم، تروح السينما، وتقطع تذكرة، علشان تشوف نفس الفيلم، دى حاجة عظيمة"!

وكانت الكارثة التي قيل إنها أصبحت أهم أسباب وفاة النجم العظيم، بعدما أصيب بأكبر خيبة أمل في تاريخه، حينما أجابه المُتصل بكُل بساطة: "وانزل السينما ليه؟ الفيلم عندى على الكمبيوتر، وبشغله وقت ما أحب"!

وقتها كانت القرصنة جديدة علينا شوية، وسرقة الأفلام من دور العرض، وتحميلها على الحاسب الآلى، لا يزال مشروعًا مُبتدئًا، حتى الحواسب لم تكُن بمثل ذلك الانتشار الحالى، وخسر"أحمد زكى" مُعظم ثروته بسبب ذلك، خاصةً وأنه كان مُنتج الفيلم، كما أصيب بحسرة شديدة، كانت سببًا في خفض معنوياته، فلم يستطع مقاومة مرضه طويلًا، وبالكاد كان قادرًا على تصوير بعض لقطات فيلمه الأخير"حليم"!

لا أدرى كيف تذكَّرت تفاصيل ذلك الموقف، وكُنت قد قرأت عنه وقتها في نهاية التسعينيات، وآلمنى ضميرى بشدة وأنا أشاهد نفس الفيلم على الكمبيوتر أيضًا حينئذٍ، وربما كان عزائى في ذلك أننى كُنت عاشقًا وبشدة لأداء الإمبراطور"أحمد زكى" في كُل أعماله باستثناءات بسيطة للغاية، لكن كتَّر خير الذاكرة إنها أسعفتنا بمثل هذا الموقف في ذكرى فنان عبقرى، الله يرحمه!

وكُنت أرى ـ ولا زلت ـ أن "زكى" هو ملك الأداء أمام الشاشة، فهو قادر على إقناعك بدون أي مجهود منه كما يبدو، أنه ليس مُمثلًا، ولكنه هو صاحب تلك الشخصية التي تراها على الشاشة، ضابط مفترى، فلاح، عسكري غلبان، تاجر مخدرات، بواب، مُحام، بطل رياضى، كان "زكى" ذكيًا للغاية، وعبقريًا لم تُنجب الشاشات العربية مثله، فلم أره أبدًا مُمثلًا، بل كان شخصية حقيقية تلعب دورها الحقيقى في أحداث درامية على الشاشة!

وبتقليب الذكريات، سواء العامة أو الخاصة، كُنت قد قرأت عن نبوءة للزعيم "عادل إمام" إبان مُشاركة "المُبتدئ" ـ آنذاك ـ "أحمد زكى" له في مسرحية "مدرسة المُشاغبين"، إذ وقعت بعض مشاكل إنتاجية بين "زكى" وأحد إداريى الفرقة، وحاول البعض التقليل من شأن المُمثل الأسمر، خاصةً وأن الدور الذي كان يلعبه وقتها، يُمكن أن يتم الاستعانة بأى واحد لأدائه، وقتها قال "الزعيم" لمَن حوله: "أحمد زكى هايكون أفضل مُمثل في مصر".. وهو ما كان بعد ذلك بالفعل!

وقرأت قريبًا مقالًا للفنان الدكتور"سناء شافع" تحدَّث فيه عن نبوءة أخرى، وكانت من "أحمد زكى" لنفسه، لكنها كانت نبوءة مُتشائمة قليلًا، إذ قال أيام كان طالبًا في المعهد، وردًا على إشادة "سناء" به، أنه لن يلعب إلا دور "البواب" بسبب سمار بشرته، كان النجم الأسمر مُتشائمًا لهذا السبب، وفيما بعد أدى أحد أفضل الأدوار في حياته، في فيلمه الأسطورى "البيه البواب"، ولم يمنعه سمار بشرته من أداء كُل الأدوار التي تركت بصمات لا تنسى في التاريخ السينمائى المصرى، يقول "شافع": "فيما بعد قابلنى مُصادفةً، وقال لى: أنا عملت البيه البواب"، وكان نجمًا كبيرًا وتسبب في توقُّف المرور تمامًا في تلك اللحظة، بسبب تهافُت المُعجبين عليه!

أشفق كثيرًا على كُل من يحاول مقارنة نفسه بـ"أحمد زكى"، وعلى كُل مَن يضعه النقاد أو بعض الجماهير في تلك المُقارنة المُجحفة لأى مُمثل، مهما كانت إمكانياته، فهى مُقارنة خبيثة أو ساذجة، لن تُجدى نفعًا مع أي مُمثل، فالإمبراطور لم يترك ورثة له على المستوى الفنى، ولم يمنح أحدهم سرَّه ولا صَك خلافته، ولو كان "أحمد زكى" قد أبهرنا بأدائه غير المسبوق ولا معقول لشخصيات "جمال عبد الناصر" و"أنور السادات" و"عبد الحليم حافظ"، فإن أحدًا لا يُمكنه أن يلعب شخصية "أحمد زكى" نفسها!
الجريدة الرسمية