رئيس التحرير
عصام كامل

فضيحة "سبائك الإخوان الذهبية".. ننفرد بأخطر تحقيق داخل التنظيم الدولى للجماعة يتهم نائب المرشد بـ"السرقة".. سر الخزينة الغامضة بشقة جمعة أمين.. وحكاية تأخر "سودان" 6 ساعات فى الإبلاغ عن وفاته


الواقع الحالي يؤكد أن جماعة الإخوان تعاني كثيرا منذ الإطاحة بالدكتور محمد مرسي الرئيس المعزول من رئاسة مصر بعدما انتفض الشعب في ثورة 30 يونيو 2013 لإسقاط حكم الجماعة، وجاءت عدة خطوات شهدتها الأيام الماضية لتؤكد لـ"قيادات الإخوان" أنهم يقفون في الخندق المعادي لمصر الراغب في الزج بها إلى أتون الحرب الأهلية، وبالتزامن مع هذا الإدراك بات التنظيم الإخواني مهلهلا بالداخل، لا صوت يعلو فيه على صوت التخوين والاتهام بالسرقة!


وقائع مثيرة للغاية يجرى التحقيق فيها حاليا داخل التنظيم الدولي للإخوان ببريطانيا، ويحيطها التنظيم بسرية شديدة نظرا لعلمهم أن خروجها للنور سيكون بمثابة " فضيحة مدوية" قد تكون سببا في الإطاحة بإخوان مصر من قيادة التنظيم الدولي للجماعة.

التحقيق الذي يجري حاليا داخل التنظيم متعلق بسرقة 375 سبيكة ذهبية من خزينة جمعة أمين نائب المرشد الراحل الذي توفي داخل شقته في العاصمة البريطانية لندن في أواخر يناير الماضي، والتفاصيل تحمل مفاجآت مذهلة للغاية.

هنا مدينة الضباب
من العاصمة البريطانية لندن "مدينة الضباب" بدأت الفضيحة التي يحقق فيها التنظيم الدولي للإخوان والخاصة باختفاء 375 سبيكة ذهبية من الخزينة المتواجدة بالشقة التي كان يقيم بها جمعة أمين نائب المرشد العام للإخوان، الذي سافر إلى لندن واستقر بها قبل اندلاع ثورة 30 يونيو والإطاحة بنظام الإخوان.

وتستمد "لندن" أهمية كبرى داخل التنظيم الدولي للجماعة لكونها المدينة الأكثر ترحيبا بهم وبأنشطتهم، هذا بجانب أنهم يستطيعون التحرك والاجتماع فيها بحرية أكبر من أي مدينة أخرى في أوربا.

وظلت "لندن" ملاذا آمنا لقادة الإخوان سواء من مصر أو غيرها، فمنذ نهايات القرن الماضي وقادة الجماعة يتوجهون للإقامة فيها كلما شعروا أن هناك تضييقا عليهم في بلدانهم أو علموا أنهم على قائمة الاعتقالات ومنهم من مصر الدكتور محمود عزت ومصطفى مشهور وغيرهما ومنهم عدد لا بأس به من إخوان سوريا الذين فروا من بلدهم إلى لندن بعدما أدركوا أن النظام البعثي الحاكم في سوريا لن يتركهم.

بداية الحكاية
التحقيق الذي يجريه التنظيم الدولى للإخوان حاليا به طرفان رئيسيان أولهما جمعة أمين نائب المرشد العام للإخوان والرجل توفي في 24 يناير 2015، والطرف الآخر محمد سودان.. فمن هو؟؟

محمد سودان كان عضوا عاديا في جماعة الإخوان قبل أن تقوم ثورة 25 يناير 2011 وعندما قررت الجماعة تشكيل حزب الحرية والعدالة، وانضم سودان للحزب وأصبح أمينا للجنة العلاقات الخارجية بالحزب، و"سودان" نال حظا وافرا من التعليم في بريطانيا قبل عودته لمصر مع بداية أحداث ثورة يناير لينضم لحزب الإخوان، وكان الرجل كثير التنقل في دول العالم خاصة الدول الأوربية، وكان التنظيم الدولي للإخوان يستعين به لأداء أدوار معينة.

وبعد قيام ثورة 30 يونيو استطاع "سودان" الهرب إلى إنجلترا ليلحق هناك بجمعة أمين نائب المرشد الذي كان قد سافر إلى لندن قبل قيام ثورة يونيو بمدة لأنه كان يعاني صحيا.

بعد سفر "سودان" إلى لندن التقى هناك بجمعة أمين وقام باستئجار مسكن خاص له ليعيش فيه نظرا لاستحالة عودة "جمعة" لمصر.

استاجر "سودان" شقة في أحد الأحياء الراقية بلندن لتصبح سكنا لجمعة أمين وهي ذات الشقة التي ظل فيها جمعة أمين لحين وفاته في يناير الماضي، وطوال هذه الفترة كان "سودان" بمثابة السائق والسكرتير والمرافق الخاص لجمعة أمين، وكانت بحوزته نسخة من مفاتيح الشقة، وكانت له شقة أخرى خاصة بعائلته تقيم فيها زوجته وأولاده، إلا أنه كان يقضي معظم وقته إما مع جمعة أمين في شقته أو مع أعضاء التنظيم الدولي للجماعة.

أزمة الإخوان في مصر
أثناء إقامة جمعة أمين في لندن كانت هناك أزمة محتدمة داخل التنظيم الدولي للجماعة حول الموقف من ملف الأزمة التي تعيشها الجماعة في مصر، وكان جمعة من المتطرفين المصريين على إسقاط الدولة المصرية الوليدة بأي شكل من الأشكال.

أما إبراهيم منير القيادي الكبير في التنظيم الدولي للإخوان فلم تكن أزمة "إخوان مصر" على رأس أولوياته، لكن اهتماماته الرئيسية كانت متعلقة بوضع الإخوان والتنظيم الدولي للجماعة في لندن ومصالحهم الخاصة فقط، وكل ما كان يريده إبراهيم منير أن يظل وضع الإخوان في أوربا عامة ولندن خاصة آمنا وألا يتم التضييق على الجماعة وأفرادها وأن تستمر الدول الأوربية في منحهم حرية الحركة وعدم ملاحقة أنشطتهم.

الحكومة البريطانية والإخوان
في هذه الأثناء ارتفعت بعض الأصوات في لندن المطالبة بوضع جماعة الإخوان على قوائم الإرهاب وحظر أنشطتها في بريطانيا وملاحقة أعضائها، وعند هذه النقطة انزعج إبراهيم منير كثيرا ودعا لاجتماع عاجل للتنظيم الدولي احتضنته لندن وحضره ممثلون عن كل الدول الأعضاء في التنظيم.

وبعدما شرح إبراهيم منير إبعاد الخطر المحيط بالجماعة في لندن طلب من المجتمعين من قادة التنظيم ضرورة التصرف لأن لندن هي الملاذ الأمن الوحيد للإخوان حاليا وأن إصدارها مثل هذا القرار سيدفع معظم الدول الأوربية لإصدار قرارات مثيلة.

واتفق قادة التنظيم على ضرورة منع الحكومة البريطانية من اتخاذ مثل هذا القرار الذي كان سيقضي على الجماعة تماما في أوربا.

واتخذ التنظيم عدة خطوات منها خطوات دبلوماسية تمثلت في الضغط على الحكومة البريطانية بواسطة بعض الحكومات الراعية للإخوان كقطر وتركيا وغيرهما، وأرسل التنظيم رسائل طمأنة للحكومة البريطانية، بصورة مباشرة عبر بعض قادتها الذين يمتلكون مراكز أبحاث ودراسات في مختلف المدن الأوربية.

ولزيادة ترتيب الأوضاع داخل لندن اتخذ التنظيم الدولي للإخوان قرارا للوصول لبعض السياسيين والإعلاميين ودوائر صنع القرار من المقربين من الحكومة البريطانية، وجاء ذلك عبر رشاوى قدمت لهؤلاء في صورة سبائك ذهبية.
ولأجل هذا الغرض اشترى الإخوان 500 سبيكة ذهبية وزن السبيكة كيلو جرام واحد، وكانت هذه السبائك من أعلى عيار نقاء ويتم تصنيعها في إيطاليا وتلقى رواجا في إنجلترا والسويد وسويسرا وفرنسا، وتبلغ درجة نقائها 999.99 وهي أعلى درجات النقاء في عيار 24. ويبلغ ثمن السبيكة الواحدة 25 ألف جنيه إسترليني بما يوازي 283 ألف جنيه مصري.

وكانت هذه السبائك معدة لتوزع كرشاوى على الفاسدين من المقربين من دوائر صنع القرار داخل بريطانيا.

تم وضع هذه السبائك في خزينة داخل الشقة التي يقيم بها جمعة أمين، وكانت هذه الخزينة بأرقام سرية لا يستطيع فتحها سوى واحد من اثنين أما جمعة أمين نفسه أو محمد سودان.

ولتنفيذ الخطة قام إبراهيم منير بسحب 100 سبيكة سلمها له محمد سودان في حضور جمعة أمين، واستلم منير هذه السبائك لتسليمها كهدايا لأشخاص لهم علاقة بالحكومة البريطانية حتى يؤثروا في قرار الحكومة البريطانية الذي كان يصب في مصلحة اعتبار الإخوان جماعة إرهابية ويحظر أنشطتها في بريطانيا.

وبعدها تم سحب 25 سبيكة أخرى من السبائك الذهبية الموجودة في خزينة شقة جمعة أمين، وتم تهريب هذه السبائك لمصر لتسليمها لبعض قادة المكاتب الإدارية لتمويل نشاط الجماعة المعادي لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي وتنفيذ مهام محددة كلفوا بها من قبل التنظيم الدولي للإخوان.

وفاة أمين واختفاء السبائك
يوم السبت الموافق 24 يناير 2015 فوجئ إبراهيم منير أثناء تواجده بمقر إقامته بلندن باتصال تليفوني من محمد سودان يبلغه فيه أنه جاء لزيارة "جمعة أمين" مثلما يفعل يوميا إلا أن "أمين" أصيب بوعكة صحية مفاجأة توفي على إثرها، فهرول "منير" إلى الشقة ليجد "محمد سودان" ما زال متواجدا بها وهناك أطباء للكشف على "أمين" والتأكد من عدم وجود شبهة جنائية في وفاته.

وفوجئ "منير" أن تقرير الأطباء أكد أنه مر أكثر من 6 ساعات على وفاة "أمين"، وهو ما يعني أن "سودان" تأخر 6 ساعات في إبلاغ "منير" بوفاة "أمين"!

استدعى "منير" بعض قادة الإخوان والتنظيم الدولي المتواجدين في لندن لشقة "أمين" ليقوموا بفتح الخزينة، وحينما قاموا بفتحها لم يجدوا السبائك الذهبية المتبقية والتي كان يبلغ عددها 375 سبيكة ذهبية ويصل ثمنها إلى 9 ملايين و375 ألف جنيه إسترليني بما يوازي أكثر من 140 مليون جنيه مصري.

وقبل أن يتم نقل جثمان "جمعة أمين" وإقامة عزائه احتد "إبراهيم منير" على "محمد سودان" واتهمه بالاستيلاء على السبائك الذهبية، إلا أن الأخير رد على "منير" قائلا: ما أعرفش عنهم حاجة، كان فيه واحد وواحدة من قرايب الشيخ جمعة زاراه منذ فترة وأنا لم أزره في هذا اليوم!

فنظر المتواجدون إلى "سودان" نظرة الشك والريبة التي تحمل اتهاما مباشرا له بسرقة بقية السبائك الذهبية،لأن الاتهام بالسرقة منحصر بين شخصين لا ثالث لهما هما الراحل جمعة أمين ومحمد سودان، وإن كان الشك تركز في الأخير أكثر لأنه تأخر 6 ساعات في إبلاغ منير وقادة الإخوان بوفاة "جمعة".

قطر تتدخل
بعد سرقة السبائك المتبقية التي كانت معدة لإرسالها كهدايا للمقربين من دوائر صنع القرار في بريطانيا بعد صدور تقرير الحكومة بعد ضم الإخوان للمنظمات الإرهابية، وصل الأمر لقطر عبر قادة في التنظيم الدولي للإخوان من بينهم إبراهيم منير نفسه، فما كان من الدوحة إلا أن تتدخل في الأمر فطلبت من السفير القطري في بريطانيا شراء 375 سبيكة ذهب بنفس مواصفات السبائك المسروقة، وبالفعل اشترى السفير القطري هذه السبائك من أشهر محال الذهب الإنجليزية.

واستلم إبراهيم منير االسبائك وقام بدوره بتسليمها إلى الشخصيات البريطانية التي ساعدت الجماعة ومنعت إصدار قرار بريطاني باعتبار الإخوان منظمة إرهابية.

تحقيقات داخلية
منذ ذلك الحين تجري لجنة شكلها التنظيم الدولي للجماعة تحقيقات موسعة لمعرفة مصير الـ357 سبيكة وتحديد الشخص الذي استولى عليها ومحاولة استعادتها.

وهناك بعض الأشخاص الذين كانوا على خلاف مع جمعة أمين يريدون إظهار الأمن في صورة أن الرجل هو من استولى على هذه السبائك قبل وفاته وقام باستخدامها لإقامة مشروع تجاري في إحدى المدن الأوربية.

في حين أن الصوت الأكثر قوة في التنظيم الدولي بلندن يميل لتوجيه الاتهام لمحمد سويدان!

"نقلا عن العدد الورقي.."
الجريدة الرسمية