رئيس التحرير
عصام كامل

شعبين على أرض واحدة


"إحنا شعبين شعبين شعبين .. شوف الأول فين .. والتانى فين" .. جملة بسيطة قالها الشاعر عبد الرحمن الأبنودى فى قصيدته "الأحزان العادية" التى كتبها عام 1981، كان يقصد بالشعبين وقتها الشعب المصرى فى وجه الشعب الأخر وهو النظام، لم يكن يدرى أنه بعد 30 عامًا من كتابة هذه القصيدة سيتحول الشعب بالفعل إلى شعبين .. شعب يقول نعم وشعب آخر يقول لا .. شعب يحب الإخوان وشعب يكرههم .. شعب يحب العسكر وشعب يرفضهم .. شعب يؤيد على طول الخط وشعب يعارض على طول الخط، وأخيرًا .. شعب يقتُل وشعب يُقتل.

لم يكن يتخيل ولا حتى نحن أن يصل الأمر إلى درجة أن يذهب الإخوان لضرب المتظاهرين المتواجدين عند الاتحادية، ولم يكن يتوقع أن يعتكف أولاد أبو إسماعيل على باب مدينة الإنتاج الإعلامى لضرب الداخل والخارج، والهجوم على مقرات الصحف والأحزاب، لم يكن يتوقع أن يقوم بعض المتظاهرين بمحاصرة أحد المساجد بمن داخلها والهجوم عليهم فى بيت الله.

ربما لو كان مبارك يحكم مصر الآن لما كان يجرؤ على فعل ما يفعله الإخوان من اعتداء على القانون والدستور ودهس رغبات الشعب بأقدامه، لم يكن حتى ليجرؤ أن يوجه خطابه لأبناء أهله وعشيرته فقط ويتناسى باقى شعب مصر الذى لم يتشرف بالانتساب للجماعة العظيمة، ولم يكن ليجرؤ أن يترك زكريا عزمى أو صفوت الشريف يتحدثون للشعب المصرى دون أن يكون لديهم أى صفة فى الحكومة .. لقد كان أفسد رئيس فى تاريخ مصر ولكنه لم يكن غبيًّا.

لم نتوقع أن من التففنا حولهم فى الأيام الأولى من الثورة والأيام التالية لها سيكونون سببًا فى هدم الدولة والاستعانة بأمريكا فى مواجهة النظام المصرى حتى لو كان كافرًا.. لم نتوقع أنهم سيحاولون عرقلة مسيرة النهوض حتى وإن كانت منحرفة عن المسار الذى نرجوه جميعًا، لم نتوقع دعوتهم للجميع بالنزول من أجل التظاهر ورفض الدستور فى حين يجلسون هم فى منازلهم الدافئة لمشاهدة ما يحدث على شاشات التليفزيون وعمل مداخلات هاتفية.. ولم نكن نتوقع أن الهزيمة فى انتخابات الرئاسة تجعل من هؤلاء المرشحين جماعة تسعى للحصول على الكرسى بأى ثمن، حتى لو كان الثمن دماء شباب كل ذنبهم أنهم وثقوا فى هؤلاء الرموز.

النظام والمعارضة فاسدون .. الإخوان والأحزاب فاسدون .. الشعب والشعب الآخر فاسدون .. ليس فى هذه الدولة من يخاف عليها سوى من لا صوت لهم، هؤلاء الذين يسكنون فى ترابها ويشاهدون ما يحدث فى شوارعها من خلال التليفزيون، ولا يعلمون من هو المخطئ ومن هو المصيب، ولكنهم يقولون "اللهم اضرب الظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين، واحفظ مصر منهم يا رب العالمين".

الجريدة الرسمية