التربية العشوائية
تتفشى ظاهرة الجهل التربوي حتى بين الطبقات المثقفة، فتجد أغلب من يتعامل مع الأطفال بداية من الأهل مرورًا بالمعلمين ومدربي الرياضة والهوايات المختلفة، يجهلون فنون التربية -إلا من رحم ربي- وبدلًا من أن يبنون شخصيات قوية متميزة يصبحون هم مصدر الهدم فتنشأ الشخصية غير السوية المضطربة.
مئات المشاهد السلبية غير التربوية يتعرض لها الطفل، ما بين الضرب، التهديد، التهكم، الإهانة، التعنيف، المقارنة،.... كل هذا الكم من الإجرام في حق أبنائنا، دون وعي.
قد يسخر البعض منك لو وجهت له نصيحة كي يتعامل مع الطفل بطريقة تربوية، تجده يتهمك بأنك تجهل طبيعة طفله مؤكدًا لك أنه لا يستجيب إلا بالضرب، وهذا نوع من الكبر والدفاع عن النفس حيث يأبى أن يُتهم بالجهل أو التقصير، وهناك من يتقبل النصح، ويندم على ظلمه لطفله ومعاملته بقسوة، ويشعر بتأنيب الضمير ويعتزم أن يغير طريقته، ويبدأ بالفعل لكن سرعان ما يفقد صبره ويعود لطريقته السابقة في التربية، وهذا يصيب الطفل بالارتباك النفسي، فالتربية العشوائية تجعله يفتقد المنهج الذي يرسم له القواعد التي تضبط تصرفاته، فيشعر الطفل بعدم الارتياح والطمأنينة لأنه لا يستطيع تقييم تصرفاته، ولا يمكنه توقع رد فع أهله، وإن كانوا سيستقبلون تصرفه باستحسان أم باستياء، وهنا يفقد الطفل ثقته بنفسه.
تصدر بعض الأفعال غير اللائقة من الصغير كأن يضرب عمه أو يشتم خالته، فيضحك الأهل وكأنها طرفة غير متوقعة دون إدراك مدى تأثير ردود أفعالهم تلك على سلوكه، وقد يشجعونه عليها ويصفقون له، ثم يعاقب عليها فيما بعد فلا يفهم لماذا يٌعاقب؟، يحذرونه من القيام ببعض الأفعال، ويتوعدونه بالعقاب الشديد لو فعلها وأحيانًا يسكتون على نفس الأفعال ويسمحون له بفعلها تراخيًا واستسلامًا منهم بسبب ضغوط الحياة
البكاء والصراخ من أهم أسلحة الأطفال التي يستخدمونها للحصول على ما يريدون، قد يضطر الأهل أحيانا لتلبية احتياجات أبنائهم -أيا ما كانت- كي يستريحوا من إزعاجهم، إلا أنها استراحة مؤقتة ومزيفة، ترتاح لفترة وجيزة ولا تدرك أنك منحت ابنك سلاحا يستخدمه وقت يشاء ضد من يشاء وقد تكون أنت أول من يستخدمه ضده، بالإضافة لاكتسابه صفات سلبية عديدة نحن في غنى عنها.
يتساءل الأهل دائما عن كيفية مواجهة تلك التصرفات؟ والإجابة: ضعوا قواعد تربوية تلتزمون أنتم بتطبيقها أولًا،
مثال: إذا وجدت طفلك يبكي عند طلبه أي شىء، عليك أن تنظر له وتقول بهدوء ولكن بمنتهى الجدية "ما تطلبه وأنت تبكي لن تأخذه أبدا" وبذلك تكون قد وضعت القاعدة، سيكون رد فعله بكاءً هستيريًا لكن إياك أن تستسلم أو تتراجع، صحيح قد يكون ذلك مزعجا لك ومن المؤكد أن يتكرر الموقف نفسه لعدة مرات فتعديل السلوك يحتاج لطول الَنفَس. فعليك الصبر وتكرار نفس الجملة الذهبية "أنت تعلم أن ما تطلبه وأنت تبكي لن تأخذه أبدا" هنا سيدرك الطفل أن بكاءه لن يجدي، وسيتعلم كيف يطلب الأشياء بهدوء وأدب، ويعرف كيف يتحاور للوصول لما يريد، وبذلك تكون قد أضفت صفات إيجابية لابنك.
أبناؤكم أمانة تستحق بذل الكثير للحفاظ عليها، فلنبدأ رحلة التربية الإيجابية بعملية استئصال شاملة لكل ما هو سلبي في مشوار تربيتنا لأبنائنا، ولا تنسو أن تعديل السلوك يتطلب منكم الصبر والإصرار.
