رئيس التحرير
عصام كامل

الدكتور حسين حمودة يكشف عمليات السطو الأدبي في الماضي والحاضر: «جوجل» أقصر الطرق للسرقة.. كثرة الأعمال المنشورة صعبت مهمة النقاد لكنهم شركاء في الجريمة.. الوعي والإيمان بالقيم بوابة القضاء ع


السرقات الأدبية آفة الإبداع.. ليست وليدة اليوم، وإنما ضاربة في جذور الأدب العربي، فهي كما يؤكد الدكتور حسين حمودة، أستاذ الأدب العربى بجامعة القاهرة، ظاهرة قديمة، اتهم فيها شعراء كبار أمثال البحترى وأبى تمام والمتنبي، مشيرا إلى أن رغبة الكتاب في تحقيق الانتشار والنجاح السريع دفعهم لارتكاب مثل هذه الأعمال غير الأخلاقية، والتي تحتاج لوعى وإيمان بالقيم للقضاء عليها.

مفهوم السرقات الأدبية، وأنواعها، والفرق بينها وتوارد الأفكار، كلها كانت محور الحديث مع الدكتور حمودة في حواره مع «فيتو».


> السرقات الأدبية.. ما مفهومها من وجهة نظرك؟
السرقات الأدبية موضوع كبير وقديم ومتجدد في الوقت نفسه، ففى الأدب العربى القديم كان هناك باب كامل في الدراسات الأدبية يتعلق بموضوع السرقات، وهناك مبدعون كثيرون جدا ومنهم أسماء كبيرة مثل البحترى وأبى تمام والمتنبي، كلهم كانوا جزءا من موضوع دراسة السرقات، وبعضهم اتهم بالسرقات فعلا، وتم الكشف عن الأعمال الأقدم التي سرقوها، لكن كان هناك نوع من التقنين، وقواعد تجاه الآخرين تقوم على فكرة المعارضة الشعرية، بمعنى أن هناك قصائد كثيرة جدا في الشعر العربى القديم أعيد إنتاجها والتحاور معها من قبل شعراء لاحقين.

> أعطنا أمثلة؟
هناك قصيدة الإمام البوصيرى «نهج البردة»، نجد أعمالا شعرية كثيرة جدا تتحاور معها وتعيد صياغتها برؤية جديدة، لكن باب المعارضة لم يكن جزءا من دائرة السرقات، فهناك مستوى آخر يتصل بهذا الاتجاه يسميه البعض «التناصُّ»، بمعنى حوار نص جديد مع نص قديم سابق عليه، والآن أعيد طرح هذه القضية من خلال نتاج آخر لا يتحاور مع نتاج سابق بالمعارضة، وإنما ينقل منه دون إشارة إلى الأثر السابق، وهذا جانب غير أخلاقي، ويمكننا أن نجد هذه السرقات ليس في الأعمال الإبداعية فقط، وإنما في كثير من الإنتاج العلمى الأكاديمي، وهناك أمثلة لا حصر لها حدثت في العقود الأخيرة، ولا يخفى أن هناك بعض الرسائل العلمية التي تقدم للجامعات لم تكن جهدا خاصا لأصحابها وإنما كانت نقلا عن جهود سابقة دون أية إشارة، وفضحتها بعض القضايا التي رفعت إلى جهات تحكيمية، سواء كانت مجالس تأديب في بعض الجامعات، أو غير ذلك، فالأمثلة كثيرة للأسف، وهناك مثال شهير جدا في النصف الأول من القرن العشرين للسرقات الأدبية هو عبد القادر المازني.

> متى يتم الحكم على العمل بأنه مسروق؟
هناك حدود فاصلة بين المشروع والمسروق، فعندما يأخذ كاتب أو باحث جهدا سابقا عليه، وينسبه لصاحبه ويستكمله باستكشاف أبعاد أخرى، هذا يدخل في نطاق المشروع، ولكن عندما يأخذ باحث جزءا من جهد سابق عليه وينسبه إلى نفسه فهذه هي السرقة بعينها.

> لكن هناك من يتناول موضوعا ما سبق طرحه.. هل هذا يندرج تحت بند السرقة؟
ليس سرقة وإنما هو نوع من الاستسهال، أو الاستثمار لنجاح تجربة سابقة، والكتابة في دائرة هذه التجربة محاولة للحصول على نجاح سهل، لكن هذا في النهاية ليس نوعا من السرقة ما دام العمل الجديد ينسب لصاحبه سواء على مستوى الأفكار أو صياغتها.

> هل اختلفت السرقات في العصر الحديث عن القديم؟
بالتأكيد، فاكتشاف السرقات القديمة في التراث القديم كان مرهونا بذاكرة القراء أكثر من أي شيء آخر، وسرقاته كانت تعتمد على متابعة ما يتم حفظه في الذاكرة من قبل، لكن الآن الظاهرة أصبحت أكثر سهولة سواء على مستوى من يتهمون بالسرقة، أو من يكتشف هذه السرقات، وهذا لسبب بسيط جدا، أن كثيرا من الإنتاج منشور على وسائل الاتصال والإنترنت، وأدوات البحث الجديدة مثل «جوجل» أصبحت مريحة وسريعة لاستكشاف العلاقة بين النصوص المختلفة.

> هل تقصد أن وسائل التكنولوجيا ساهمت في انتشار السرقات الأدبية؟
نعم، فعملية السرقة أصبحت أكثر سهولة عن طريق اقتطاع نص ودمجه في سياق آخر، لأن وسائل الاتصال جعلت الأمر أكثر سهولة.

> وماذا عن تعدد الأعمال التي تتناول شخصيات بعينها؟
هذا يتوقف على الكيفية التي يعالج بها الكاتب هذه الشخصية، فمثلا هناك شخصيات في التراث العربى القديم تم تناولها في أعمال كثيرة جدا معاصرة مثل «المتنبي، وصلاح الدين الأيوبي»، وتم تجسيدها في أعمال إبداعية متعددة، فالأمر يتوقف على الزاوية التي يطل منها كل كاتب على الشخصيات، وبالتالى يستكشف فيها أبعادا أخرى جديدة.

> يصف كثيرون قانون حماية حقوق الملكية الفكرية بأنه مريض.. ماذا عنك؟
بالفعل هو قانون مريض، ولم يتم تفعيله بشكل كاف، وهناك أمثلة كثيرة تعبر عن فشله في تمكين أصحاب الإبداعات المتعددة من حقوقهم، حتى في مجالات العلم، بينما الأمر مختلف في بلدان أخرى تحترم القانون، ويحضرنى هنا تجربة الأديب البرازيلى بأولو كويلو، الذي ترجمت له العديد من الأعمال إلى العربية، فقدم إلى مصر ومعه جيش صغير من رجال القانون، لكى يحصل على حقوق الترجمة، ولكنه لم يستطع الحصول على أي شيء، فقانون حقوق الملكية الفكرية عندنا يحتاج إلى ضوابط كثيرة جدا، والأهم من ذلك يحتاج إلى أدوات تنفيذية تساعده على أن يكون له حضور حقيقي.

> لكنه القانون نفسه الذي حكم بالتعويض للشاعر عبد الستار سليم في قضية هشام الجخ؟
هناك أمثلة لبعض النجاح مع عدة حالات، لكنه ليس كافيا لحصول أصحاب الإبداعات على حقوقهم وهل ترى أن «٥» آلاف جنيه التحكم بها ضد الجخ كافية؟

> برأيك ما الأسباب التي تجعل البعض يلجأ إلى السرقة؟
أسباب كثيرة في مقدمتها فكرة الاستسهال والحصول على نجاح سهل وقريب، وعدم احترام الذات أو القراء.

> هل يمكننا اعتبار دور النشر شريكا في تهمة السرقات الأدبية؟
هناك صعوبة في الوصول إلى حقيقة أن هذا العمل أو ذاك عملا أصيلا خاصا بصاحبه أم لا، لكن مع ذلك يجب على دور النشر المختلفة أن تلجأ إلى لجنة من المتخصصين لتقرأ الأعمال المقدمة إليها وتحكم عليها، سواء بأنها جهدا إبداعيا جديدا أم تعتمد على جهود سابقة.

> وهل يطول هذا الاتهام النقاد؟
أعتقد أن هناك جزءا من اللوم يجب أن يوجه إلى النقاد، فعليهم أن يؤدوا دورهم الأساسى والمهم، وهو التمييز بين العمل الحقيقى والمسروق، لكن مع تراكم الأعمال التي تطبع كل يوما تقريبا، أصبحت المهمة أكبر من أن يقوم بها النقاد وحدهم، لكن يمكن مساعدة النقاد من قبل قراء كثيرين، هم أنفسهم استطاعوا أن يصلوا إلى اكتشاف أن هذا العمل أو ذاك منقول أو مسروق من عمل سابق، فالمسئولية تقع على النقاد والقراء.

> لكن يوجه لهم كثيرا اتهام بعدم الحيادية.. ما تعليقك؟
هذه النوعية من النقاد لا تنتمى إلى النقد الحقيقي، ولا تدرك شرف المسئولية الملقاة عليهم، وهم ليسوا أفضل في الحقيقة ممن يكتبون ويعيدون إنتاج أعمال سابقة، أو ينقلون عن أعمال سابقه وينسبونها لأنفسهم.

> وماذا عن الاقتباس من أفلام أجنبية قديمة أو صياغتها كما هي في عمل أدبي؟
للتعامل مع هذه الظاهرة علينا أن نميز بين طريقتين، فهناك نوع من المعالجات لأعمال سينمائية سابقة بحيث يقدم العمل الجديد بعدا آخر عن العمل السابق، وفى هذا الاتجاه يمكن أن نجد مسرحية توفيق الحكيم «بيجماليون» المأخوذة عن فيلم سينمائي، والفيلم مأخوذ من الأسطورة الإغريقية القديمة «بيجماليون»، وهناك مسرحية برنارد شو بالعنوان نفسه، هذه كلها أعمال مشروعة لا أحد فيها ينسب لنفسه ما ليس حقه، وكل معالجة منها تعتمد على رؤية واكتشافات إبداعية وفنية خاصة بصاحبها، لكن الاتجاه الآخر يبرز في نقل البعض عن أفلام قديمة نقلا حرفيا تقريبا ثم ينسبه لنفسه، وهذا يمكن ملاحظته في أعمال سينمائية ومسرحية ونصوص أدبية، وفيها تغيب الخطوط الفاصلة بين العملين الأصلى والمستنسخ.

> وهل يستطيع سارقو الإبداع تحقيق النجاح والشهرة؟
أعتقد أن النجاح السهل يمكن أن يمثل غواية للبعض ممن لا يستطيعون السهر على مشروعهم الإبداعى ويخلصوا له بما فيه الكفاية، ومن الممكن أن يحققوا نجاحا وهميا لأنه غير مبنى على أساس حقيقي، بينما هناك أديب مثل نجيب محفوظ، ظل لسنوات طويلة غير معروف للقراء، لكنه ظل يعمل بدأب واجتهاد ويحصّل المعرفة من كل مصادرها إلى أن نجح في الوصول إلى قرائه قبل أن يلمع اسمه عالميا ويحصل على جائزة نوبل.

> من وجهة نظرك.. كيف يمكن القضاء على هذه الظاهرة؟
الحل يتمثل في المزيد من الوعي، والإيمان بالقيم الحقيقية، سواء على مستوى القراء أو المبدعين، فالوعى وحده هو الذي يمنع الكاتب من ارتكاب جريمة السرقة، وأيضا يجعل مع الإيمان بالقيم القراء جميعا لا يقبلون بوجود كتّاب لصوص.
الجريدة الرسمية