رئيس التحرير
عصام كامل

بالصور.. ميادين القاهرة تخلد تاريخ زعماء مصر.. "كورديية" نحت تمثال إبراهيم باشا تزامنًا مع حفل افتتاح دار الأوبرا.. ميدان مصطفى كامل يجمع بين الحداثة والأصالة.. العشوائيات تحيط بـ"محمد فريد"


تميزت أحياء قاهرة المعز، درة مدن الشرق وحاضرة أفريقيا، منذ تأسيسها بميادين أرخت لعراقة هذا البلد وبطولات أبنائه عبر العصور والأزمان، لتتقاسم هذه الميادين مع أصحابها ممن حملت أسماءهم ما ذاع عنهم من شهرة وسيط جعلتهما في مصاف المخلدين.


ميدان إبراهيم باشا «الأوبرا»
القادم من وسط العاصمة في طريقه لميدان الأزهر العتيق يستوقفه ذلك التمثال القابع بكل شموخ لفارس متمرد يشهر سيفه معتلي جواده، إنه تمثال إبراهيم باشا الابن الأكبر لمحمد على باشا والى مصر من الفترة 1805 إلى 1840م، يزين ميدان حمل اسمه لفترة طويلة قبل أن يتغير لميدان الأوبرا في وقتنا الحالى.

تأتى شهرة إبراهيم باشا ( 1798- 1848م ) من خلال الحروب الخارجية التي خاضها بهدف اتساع الرقعة الواقعة تحت قبضة والده محمد على باشا، أبرزها حربه ضد محمدعبد الوهاب في شبه الجزيرة العربية "السعودية حاليا" وإسقاط الدرعيه أكبر معاقل الوهابية، فضلا عن حروبه في أفريفيا وبلاد الشام واليونان وتوسعاته في أوروبا إلى أن وصل للعاصمة المجرية بودابست.

تولى حكم مصر بفرمان من الباب العالي في مارس 1848م نظرًا لمرض والده، ولكنه لم يعمر أكثر من سبعة أشهر ونصف، وتوفى بعد ذلك وهو لم يتجاوز الستين من عمره في نوفمبر من نفس العام، إلى أن جاء الخديو إسماعيل وأمر نحات فرنسي يدعى "كورديية " بنحت تمثال لإبراهيم باشا بالتزامن مع حفل افتتاح دار الأوبرا المصرية.

ميدان مصطفى كامل
ميدان يجمع بين الحداثة والأصالة يستمد من صاحبه تلك الحيوية والإصرار الممزوج بالتحضر والرصانة، فبالرغم أن بناياته أوروبية الطراز إلا أنها تنسجم وبشكل بديع مع بساطة المصريين، ميدان الزعيم مصطفى كامل الواقع بوسط القاهرة من أكثر ميادين العاصمة حيوية، وحركة لما يضمه من مقرات لشركات تجارية وبنوك مصرفية.

مصطفى كامل ( 1874- 1908 ) مناضل سياسي مصري، تخرج فى مدرسة الحقوق أجاد الإنجليزية والفرنسية، سافر إلى المحافل الدولية وطاف العواصم الأوروبية لعرض القضية المصرية في نيل استقلالها بعد إعلان الحماية البريطانية على مصر عام 1882، والتنديد بسياسة اللورد كرومر المندوب السامى البريطانى في مصر، وخاصة عقب حادثة دنشواى بمحافظة المنوفية عام 1906م.

واستغل مصطفى كامل إجادته للغتين أوروبيتين، وكتب مقالات توصل الوضع المأساوى للمصريين تحت الاحتلال، وأصدر عددا من الجرائد والمجلات أبرزها جريدة اللواء المترجمة للإنجليزية والفرنسية، وأسس الحزب الوطنى وأول من وضع حجر أساس لجامعة أهليه لولا أن وافته المنية، استكملها الملك فؤاد الأول وأطلق عليها اسمه عام 1908م وعقب قيام ثورة 1952 تغير اسمها إلى جامعة القاهرة أول جامعة مصرية، وتوفي الزعيم بعد رحلة نضال استمرت لسنوات طويله إلى أن وافته المنية عن عمر يناهز 34 عاما.

وتميز كامل بالعديد من العبارات الخالدة التي لا تزال يتناقلها عنه المصريون جيلا بعد جيل أشهرها " إن لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا "، 
" الأمة التي لا تأكل مما تزرع وتلبس مما لا تصنع أمة محكوم عليها بالتبعية والفناء "، " لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس ".

ميدان محمد فريد
ميدان محمد فريد بوسط القاهرة، بائس رغم ثرائة تنتشر بمحيطه الشوارع العشوائية، وضوضاء سيارات، وصراخ المارة من قاطنى الميدان وعابرى السبيل يتخلل المشهد إشارات مرور بالية تستكمل أركان اللوحة المشتتة، إلا أنه لا يزال مصرا على البقاء.

ويعد محمد فريد من الزعماء المصريين الذي ناضلوا حتى الرمق الأخير لاستقلال الوطن، فهو محام ومؤرخ سياسي معروف وأحد كبار الزعماء الوطنيين ينحدر من أصل تركي.

وترأس الحزب الوطني بعد وفاة مصطفى كامل، وأنفق ثروته في سبيل القضية المصرية، أنشأ فريد مدارس ليلية في الأحياء الشعبية لتعليم الفقراء مجانًا، وقام بالتدريس فيها رجال الحزب الوطني وأنصاره من المحامين والأطباء الناجحين، وذلك في أحياء القاهرة ثم في الأقاليم إيمانا منه أن جلاء المستعمر لا يأتى إلا بشعب واع ومتعلم. 

ووضع محمد فريد أساس حركة النقابات، فأنشأ أول نقابة للعمال سنة 1909 ثم اتجه إلى الزحف السياسي، فدعا الوزراء إلى مقاطعة الإنجليز وحكومتهم، عرفت مصر على يديه المظاهرات الشعبية المنظمة.

ووضع محمد فريد صيغة موحدة للمطالبة بالدستور، طبع منها عشرات الآلاف من النسخ، ودعا الشعب إلى توقيعها وإرسالها إليه ليقدمها إلى الخديو، ونجحت الحملة وذهب فريد إلى القصر يسلم أول دفعة من التوقيعات وكانت 45 ألف توقيع وتلتها دفع أخرى، سجن أكثر من مرة بسبب كتاباته الثورية.

وسافر فريد أوروبا كي يُعد لمؤتمر لبحث المسألة المصرية بباريس، وأنفق عليه من جيبه الخاص، دعا إليه كبار معارضي الاستعمار من الساسة والنواب والزعماء، لإيصال صوت القضية المصرية بالمحافل الدولية، وظل يترحل بين دول أوروبا لعرض القضية المصرية وأنفق عليها كل ثروته إلى أن توفى في أحد شوارع ألمانيا عام 1919 م عن عمر ناهز 51 عاما، بنى له تمثال يخلد ذكراه داخل الميدان الذي حمل اسمه.

ميدان سعد زعلول
ميدان استوحى المصريين من صاحبه مفاتيح الحرية والاستقلال، وخاض حرب شرسة لتحرير الأرض والإنسان نفى على أثرها أكثر من مرة ومات وترك لنا في خزانته النضالية جيلا لا يعرف لليأس عنوانا، إنه ميدان سعد زعلول الرابط بين محافظتى القاهرة والجيزة، يتوسطه تمثال يجسد شخصا ملوحا بإحدى يديه، وكأنه يرشد الثائرين المارين أعلى كوبرى قصر النيل المقابل له عن طريقهم إن ضلوا الطريق.

ويعتبر سعد زعلول أحد أقطاب الحركه الوطنية في مصر على مر التاريخ، قائد لأعظم ثورة شعبية في القرن العشرين في 9 مارس 1919 م التي اندلعت عقب نفى زعلول وعدد من رفاقه إلى جزيزة مالطه من قبل السلطات البريطانية لمنعهم من السفر لمؤتمر الصلح في باريس لعرض القضية المصرية.

وبعد عودته اعترفت بريطانية باستقلال مصر في تصريح 22 وبعدها أصدر أول دستور مصرى عام 1923 م واستطاع الوفد أن يشكل حكومة وفدية يرأسها زغلول، إلى أن وافته المنية 1927، ليواصل طريق النضال أبناؤه ورفاقه من داخل الوفد أمثال النحاس باشا ومكرم عبيد.

ميدان طلعت حرب ( سليمان باشا سابقا )
اشتهر ميدان طلعت حرب أحد أهم ميادين القاهرة بتمثاله المعروف لرجال الاقتصاد طلعت حرب المنسوب إليه الميدان، ومبانيه المبهرة وتفرع شوارعه التي تتوسط القاهرة، تميز أيضا بنشاط تجارى كبير إذا ما قورن بغيره من شوارع قلب العاصمة.

ويضم عددا كبيرا من البنوك والشركات والمراكز التجارية ودور العرض، ليصبح اسم طلعت حرب  أبو النهضة الاقتصادية في مصر يتماشي وروح المكان، فضلا عن كونه أصبح دربا للثائرين، شاهدا على تجمعات وتكتلات وأحداث ثورتين قامتا لردع الظلم والفساد والاستبداد.

يرجع تاريخ الشارع إلى عصر الخديو إسماعيل عندما حلم أن يحول القاهرة إلى مدينة تضاهي باريس في جمالها ورنقها، فجلب العديد من المهندسين الإيطاليين والفرنسيين لذلك وتم بالفعل تشييد عمارات على الطراز الأوروبي.

وعند الانتهاء من تشييد العمارات تم تسمية الشارع والميدان باسم ميدان سليمان باشا نسبة إلى سليمان باشا الفرنساوي مؤسس الجيش المصري إبان عهد محمد على باشا تكريما له، وتم إنشاء تمثال له بوسط الميدان.

وظل الميدان والشارع يحمل هذا الاسم حتى قيام ثورة يوليو عام 1952 م التي قررت التخلص من جميع الرموز الملكية والعهد البائد، فنقل تمثال سليمان باشا إلى المتحف الحربي بالقاهرة ووضع بدلا منه تمثال الاقتصادي المصري طلعت حرب ومنذ ذلك الحين وحتى الآن الميدان يحمل اسمه.

ويذكر أنه أخد على عاتقه محاربة الاحتكار الأجنبي للشئون المالية والاقتصادية في مصر فأسس بنك مصر 1920 برأس مال وخبرة مصرية خالصة فضلا عن مجموعة من الشركات أهمها شركة مصر للطيران، مصر للطباعة، وبيع المصنوعات المصرية وحلج الأقطان ونسج الحرير والسينما والكيماويات والأدوية والتأمين والملاحة والنقل البحري وغيرها، في عام 1959 م تحولت جميعها للقطاع العام.

تاريخ ميادين القاهرة
وفي العصر المملوكي تعددت ميادين القاهرة تبعًا للامتداد العمراني الكبير لها في ذلك الوقت، ومن أهم هذه الميادين التي لعبت دورًا كبيرًا في التاريخ ميدان الرميلة وميدان تحت القلعة والميدان الناصري على النيل وميدان بركة الفيل وميدان المهارى وميدان القبق بالإضافة لاستخدام أرض بركة الأزبكية وبركة الفيل كميدانين في حالة خلوهما من الماء.

وفي العصر العثماني قل الاهتمام بأمر الميادين ونقص عددها عما كان في العصر المملوكي وذلك للبناء في بعضها، وتحويل بعضها لبساتين ومزارع، وإهمال البعض الآخر، ولكنهم أضافوا ميدانًا جديدًا كبيرًا هو ميدان النشابة بديلًا عن الميدان الناصري على النيل بمنطقة قصر العيني. 
الجريدة الرسمية