رئيس التحرير
عصام كامل

لموا الكراريس


إيه رأيكم في البقع الحمرا يا ضمير العالم يا عزيزى
دى لطفلة مصرية وسمرا كانت من أشطر تلاميذى
دمها راسم زهرة راسم راية ثورة
راسم وجه مؤامرة راسم خلق جبابرة


دى أبيات للغائب الحاضر بشعره وفنه الراحل صلاح جاهين، كتبها بعد القصف الجوى الصهيونى الغاشم، لمدرسة قرية "بحر البقر" مركز الحسينية، في محافظة الشرقية في أبريل 1970، والذي راح ضحيته نحو 30 تلميذا وتلميذة، وقد تناثرت دماؤهم الذكية على أوراق الكراريس، في جريمة نكراء يندى لها الجبين، وقد ذكرت إسرائيل وقتئذ دفاعًا عن نفسها، أنها لم تقصد إلا قصف الأهداف العسكرية، وقد بدت المدرسة كأنها منشأة عسكرية متخفية، وقد انتفض الرأى العام العالمى لهذه المذبحة، رغم إنها كانت أثناء حرب الاستنزاف الدائرة بين مصر وإسرائيل، ويقال إن هذه الجريمة ربما كانت مقصودة من الجانب الإسرئيلي، للضغط على مصر وإجبارها على وقف إطلاق النيران.

منذ أيام قليلة كادت هذه المأساة أن تتكرر، رغم اختلاف العدو، واختلاف طريقة القتل فالعدو هنا ليس صهيونيا غاشما، في حالة حرب بين دولتين، ولكنه إرهابي مجرم فاسد قد يفوق الصهاينة إجرامًا، بل ربما تثبت لنا الأيام أنهم شركاء لهم، ينفذون مخطاطتهم، ولكن الهدف واحد، والجريمة واحدة، وهى محاولة قتل أولئك الأطفال الأبرياء، تلاميذ المدرسة، وقد كان من الممكن أن نجد أنفسنا، أمام مجزرة مدرسة "بحر بقر" أخرى تختلط فيها أشلاء التلاميذ، ودماؤهم الذكية، بأوراق الكتب والكراريس، ولكن في مدرسة ابتدائية أخرى، تدعى" الحواتم" في مركز الفيوم، ولكن شاءت الأقدار، إنقاذ هؤلاء التلاميذ، من هذا المخطط الإجرامى، وشاء قضاء الله وقدره، أن تكون الطفلة البريئة "منة سيد رجب" ذات العشرة أعوام، والتلميذة في الصف الرابع الابتدائي، هي كبش الفداء ومبعوث العناية الإلهية، لإنقاذ هؤلاء الأطفال الأبرياء، من موت محتوم زرعه إرهابى كافر، في عبوة معدنية صغيرة، كان الهدف منها قتل التلاميذ الصغار، وتفجيرهم أمام باب المدرسة، وجدتها الطفلة الصغيرة "منة " فظنت إنها لعبة، فحملتها بكل براءة الطفولة داخل حقيبتها، ولم تكن تعلم أنها احتضنت الموت الأثيم، فداء لحياة أقرانها الصغار، وأن يد القدر قد استخدمتها لإنقاذ أرواح بريئة، وحقن دمائهم الطاهرة، فإذا كان الصهاينة، قد قصفوا مدرسة "بحر البقر" تنفيذا لأهداف وحسابات عسكرية، تمليها عليهم أنظمتهم، وتجعلهم يعتقدون أنهم يحاربون فداء أوطانهم، فبأى دافع؟ ولأى وطن؟ أو أي دين؟ كان يريد هؤلاء الإرهابيين، تدمير مدرسة "الحواتم" وقتل أطفالها الأبرياء، وتحويل أجسادهم النحيلة إلى أشلاء، فأين هو نظامهم الذي يحركهم؟ فقادتهم كلهم في السجون، يحاكمون على ما اقترفت أيديهم، من إثم وخيانة، وأين هو وطنهم الذي يدافعون عن ترابه؟ فهم لا يعرفون الأوطان ولا يبالون بها وأين هو دينهم الذي يؤدون فروضه؟ ثم يواصلون القتل والتدمير باسمه، ومن هو ربهم الذي يدعونه، وأياديهم ملطخة بالدماء، فيسمع لهم ويستتجيب لدعائهم؟

لقد أرداوها مجزرة، تتناقل أصداؤها الأجيال عبر التاريخ، ولكن شاء العلي القدير أن تدفع ثمنها طفلة صغيرة، ستظل دماؤها تطاردهم، وتبقى دليل خستهم ودناءتهم، وستظل هي وتبقى ذكراها حية، في نفوس من فدتهم بجسدها النحيل، وعلى أبواب وجدران مدرستها التي ستحمل اسمها تخليدا لذكراها، وسيندثرون هم ويتلاشون، في مزبلة التاريخ مع قادتهم وأنظمتهم. وستظل أنت وتبقى كلماتك ضد الصهاينة وحلفاءهم، أيها الشاعر الكبير،هي نفسها صوت وضمير الأمة العربية، الذي ينهض للدفاع عن قضيته ضد الإرهاب الغاشم، فجرمهما واحد، وهدفهما واحد وضحاياهما كثيرون:

إيه رأيك يا شعب يا عربى
إيه رأيك يا شعب الأحرار
دم الأطفال جايلك يحبى
يقول انتقموا من الأشرار
ويسيل على الأوراق
يتهجى الأسماء
ويطالب الآباء بالثأر للأبناء
الدرس انتهى لموا الكراريس
الجريدة الرسمية