الجماعة «المقطورة» والنهب الخامس لبورسعيد
يبدو أن بورسعيد ستظل كلمة السر فى تاريخ مصر المعاصر، أنشأها الخديوى فى أبريل 1859 ليسلمها لفرديناند ديليسبس ليضرب بها أول معول فى الأرض لحفر القناة لتسيطر عليها بلاده، وسعى العدوان الثلاثى لوأد البلاد من بوابتها قبل خروج دولة مفضوحة فى ديسمبر 1956، وقضى السادات بانفتاحه الأهوج على اقتصاد وطن من خلالها ودمر معه الشخصية المصرية، قبل أن يبدأ مبارك فى استخدامها أمنيا فى استدعاء تعاطف شعبى زائف عقب واقعة العربى سليمان الشهيرة عام 1999م والتى أُفقرت المدينة بعدها.
المدينة الباسلة عادت مجددا لتكون فرس الرهان فى معركة الوطن مع جماعة ظهرت أشبه بالممارس لأقذر أنواع البغاء السياسى، بتحولها من جماعة "محظورة" تعمل تحت الأرض وأقدام الحاكم، فى انتظار سقوطه، إلى جماعة "مقطورة" يقودها أصغر شوارع الخليج العربى.
فى كتابه "مجتمع القاهرة السرى" الصادر نهاية عام النهب الرابع لبورسعيد 1999، يشرح الدكتور «عبد الوهاب بكر» البناء الهرمى لمجتمع البغاء المرخص فى مصر حتى صدور أول قانون لتجريمه عام 1951م تحت ضغوط مجتمعية وأخلاقية وعنف أيضا مارسه أتباع الجماعة إياها ضد المومسات والقوادين، ويشير خلاله إلى لفظ "مقطورة" كلقب محبب إلى الداعرة التى توهم به زبائنها أنها دخلت عالم البغاء، أى ممارسة الجنس لقاء أجر، تحت ضغوط العوز والحاجة والقهر المجتمعى، مفضلة إياه على أى ألقاب أخرى.
حاشا لله أن نستدعى التشبيه فى إهانة الجماعة إياها، لكن شعبا أُضِير من سياساتها وقتل على أيدى ميليشيات مسلحة متهمة باستدعائها وإدارة حركتها، أصبح يراها "تساق وتقاد" عبر سيد "قطرى" ورب عالم "أمريكى"، لتبحث عن مكان لها فى عالم السلطة والمال، بينما لا تستحى الاتجار بآيات الله وسنة نبيه، وتحتكم إلى العنف فى مواجهة معارضيها، وتهين ثورة شعب كانت أبعد عنها حتى حصدت ثمارها الأولية بمؤامرة مفضوحة.
وبدلا من إظهار رؤية تتفق وشعارها التاريخى "على القدس رايحين شهداء بالملايين"، تفننت الجماعة فى تصفية المدينة الباسلة لصالح قائدها القطرى، فى مشهد يعيد للأذهان واقعة قيام الملك الكامل بمنح الصليبيين المدينة المقدسة، ليدخلها الإمبراطور فريدريك المحروم كنسيا فى 17 مارس دون قتال عقب توقيعه صلح يافا المشبوه. وقتها كانت فلسفة "الكامل" تعتمد فكرة أن ضياع دمياط والقاهرة لا يمكن تعويضه، على عكس فقدان القدس التى لو ضاعت مصر لن يجد أهل فلسطين من يعيد لهم بيتهم.
أذكر الواقعة التاريخية التى جلبت العار لصاحبها بعد إهداره دماء 70 ألف شهيد فى غزو بيت المقدس وغيرهم فى معارك استردادها، واستدعى معها تاريخ بورسعيد المعاصر، لأذكر المتلاعبين بالعقول بيننا أن سقوط المدينة الباسلة أمام قوة الجماعة الغاشمة ومن ظهروا من الأجانب المسلحين على أراضيها فى مواجهة أهلها والجيش، سيعنى انتهاء أكبر حركة مقاومة شعبية لـ"أخونة" الدولة و"أقطرة" اقتصادها و"أمركة" سياسات حكومتها لحساب الاحتلال الصهيونى للقدس المتاجرة بها الجماعة وقاطرها.
لقد كانت الجماعة أذكى فى تجربة نقل الصراع السياسى مع معارضيها خارج حدود العاصمة، وأغبى مثلهم فى قراءة التاريخ، لتقف "المقطورة" منساقة فرحة بما تحمل من مؤن بغض النظر عن قائدها، وتبدو معارضتها أشبه بـ"الكارو" تبحث عمن يجرها لمواكبة حركة الشارع المصرى وثورته.
أعتقد أن مشروع الجماعة "القطرى" المراد لبورسعيد والقناة ومدنها سيكون بداية النهاية لحكم الجماعة ووجودها فى مصر، إذا ما تفهمنا حقيقة سيناريو النهب الخامس لها، والذى تنفذه جماعة تطمح فى "ذبح" مصر كبقرة حلوب استنزفها مبارك 3 عقود، وبيع أجزائها مستغلة اشتعال سوق اللحوم.