(توكل) الشمالى.. و(كرمان) الجنوبى!
ماذا يحدُث في اليمن؟ الحقيقة مش عارف، طبيعة السؤال نفسه غريبة، تحس إن الغرض منه ليس استفسارًا وإنما استهبالًا، والأكثر صوابًا هو أن يكون سؤالك: ما الذي لم يحدُث في اليمن؟ خصوصًا وأن كُل شيء سيئ في التاريخ والجغرافيا أصبح بيجرى ببساطة وإسراف في البلد الوحيد في الدُنيا اللى كان في يوم من الأيام قبل ما تتخلق المخلوقة (باللام) اللى اسمها (توكل كرمان)، كان البلد الوحيد في العالم اللى بيقترن اسمه بصفة السعيد!
الآن لم يعُد اليمن سعيدًا، لكنه صار للأسف الشديد منيل بنيلة، وحالته تصعب ع الكافر، وصحيح اللى يشوف بلوة غيره بتهون عليه بلوته، وليس مقبولًا أن نتهم ثورات بريئة باتهامات مش فيها، ونقوم نشيِّلها الليلة، فالعيب لم يكُن أبدًا في الثورات، لكنه كان في العبط اللى صدَّقوا الثورجية المُحترفين القبيضة، وساروا خلفهم نحو صنع الفوضى الكاملة، عن طريق رفض كُل الحلول من أي نوع، لتصل البلاد لأن تكون زى اليمن الذي لم يعُد سعيدًا، وإنما صار يمن العكننة والنكد، وليبيا المغمومة ليل نهار، وسوريا المجروحة، اللى نُص أهلها لجئوا للحدود، والنُص التانى لجأ للآخرة!
الآن لم يعُد يكفينا اللطم على الخدود، أو شق الهدوم، وعلى رأى الست، تفيد بإيه يا ندم، وتعمل إيه يا عتاب، وتبحث عن الحل فلا تجده، طيب مُمكن ننام ونحلم إن البلاد اللى ضاعت وعادت لعصور ما قبل التاريخ دى مُمكن ترجع تانى كما كانت؟ والنبى لو بالحلم مكانش حد غِلِب، وكان تُجار البطاطين والملايات فقدوا أعز ما يملكون، ويمكن بعد ما يفقدوه كانوا أخدوا هُما كمان جايزة نوبل للسلام، واللى أخدتها الخاينة أم رُخصة (توكل كرمان) الفخورة السعيدة بتقسيم اليمن إلى ست حتت، قبل ما تتقسِّم بعد ذلك إلى ستميت حتَّة، زيَّها زي أي طبق صينى واقع من سابع دور على جدور رقبته!
وعلى رأى الهتاف الكروى الشهير.. دلع عينى دلع.. (كرمان) عملها وخلع، لم تكتفِ (توكل) بإعادة اليمن لأدنى وأسوأ حالاته، عندما كان يمنًا جنوبيًا وآخر شماليًا قبل الوحدة، وإنما ساهمت بالتسخين والتتويت والتفييس في التقسيم الرسمى لوطنها لنصف دستة أقاليم، قبل أن تواصل مُهمتها المُقدسة، وتقوم بإطلاق كلاب الحوثى على البلد بأكمله، ليعقروا كُل مَن فيه بلا رحمة ولا عقل، ويعيدوه للعصر الحجرى، قال يعنى كدة مش هاينفع يتكسر يعنى!
طيب زمان أيام ما كان اليمن يمنيين، كانت (توكل) مُمكن تقف برجلها اليمين في اليمن الشمالى، ورجلها الشمال في اليمن الجنوبى، آه بتبقى محتارة ومشتتة بين الاتنين ومش قادرة تستحمل يا عينى الوجع دة، وشاء الحظ أن يتم توحيد الاتنين وضمهم لبعض باحترام، لكن من الواضح أن الأمر أكبر من قُدرتنا على الاستيعاب، وأن التقسيم لشمالى وجنوبى فقط ليس من ضمن طموحات (كرمان) هانم علشان المسافات كانت قريبة جدًا وقتئذٍ، وكان الحل في توسيعها أكثر وأكثر!
ورغم كُل ذلك، فلا يزال عندنا في بلدنا مَن يمتلك رغبة مسعورة في اللحاق بركب اليمن وسوريا وليبيا، ظنًا منه أن موضة تقسيم البلاد دى حاجة كدة زى البنتاكور والإسبايكى وفورمة الساحل، اللى ميعملهمش يبقى مُتخلِّف ورجعى وضد الثورة، وليه لأ وهو شايف إن خائنة برُخصة وباسبور أحمر زى (توكل كرمان) بتاخُد أتخن جايزة على مستوى العالم، وبتخرب بلدها، وبعدين على تُركيا علشان تقعد مرتاحة متهنية هناك، وتشوف اللى مشافتوش (سمر) مع (مُهنَّد)!
مُجددًا وأخيرًا.. ما الذي لم يحدُث في اليمن؟ قتل وسلب ونهب ودمار وفوضى كاملة، ديمقراطية؟ الكلمة الآن ليست للانتخابات المزورة أو حتى التزكية، الكلمة فقط للسلاح والبارود، أما لو كان السلام بتاع جايزة (توكل) هو الهدف، فحتى كلمة السلام عليكم لم يعُد الناس يقولونها لبعضهم بعضا، كُل شيء خيالى وهمى سيئ يحدُث الآن في تلك البقعة من الأرض، ولم يعُد ينقصها لتتضاعف سوءاتها وبلاويها إلا أن الزمالك ياخُد الدوري هناك!