.. والحركات المسيحية المتطرفة!
بعناية فائقة، وتركيز شديد، قرأت مقال الكاتب مدحت قلادة، رئيس اتحاد المنظمات القبطية الأوربية، الذي قال فيه نصًا: "إن الحركات الإسلامية أثبتت عجزا داخل العالم الإسلامي وداخل مؤسساتهم الدينية، ألا وهي أنهم غير قادرين على إنتاج إسلام عصري يواكب العصر لا يعتمد على القتل والإرهاب ليقدموا للعالم حركات تصالح العالم".
هذه هي وجهة نظر الكاتب عن الحركات الإسلامية المتطرفة، وهي للأسف الشديد، نفس رؤية كثير من الكتاب والباحثين، غير المنصفين، الذين يربطون بين جماعات الإسلام السياسي الأصولي، كحركات راديكالية متطرفة، وبين الإسلام كدين سماوي، حرم القتل والإرهاب، مستشهدين في ذلك بالقتل والذبح، والتفجير الذي تمارسه هذه الجماعات الإرهابية، في العديد من الدول..
هؤلاء الكتاب تبنوا هذا الربط، ناسين أو متناسين أن "الإرهاب لا دين له ولا وطن"، وأن المؤرخ الموضوعي المنصف، والباحث المحايد المدقق، سيجد أن الأصولية الدينية واحدة، سواء كانت يهودية، مسيحية، أو حتى الأصولية الإسلامية، التي ربما كانت أقلهم عنفًا وإرهابًا وتطرفًا.
ولن نستعرض المذابح والجرائم، والأهوال التي ارتكبت باسم المسيح أو المسيحية، ولكن سنكتفي بذكر نماذج للتدليل على أن الإرهاب لا يقف عند أرضٍ، ولا يقتصر على أتباع دين واحد.. وما الحروب الصليبية، وملاحقة الهراطقة ومحاكم التفتيش وأساليب الإرهاب والقمع والتعذيب البشعة، إلا أمثلة على ذلك.
إن بعض المسيحيين المتطرفين اعتمدوا على تفسيرات لتعاليم "الكتاب المقدس"، واستخدم بعضهم كتب "العهد القديم والعهد الجديد"؛ لتبرير جرائم العنف والقتل، بينما سعى البعض الآخر لتحقيق "ثيقراطية مسيحية"، أي حكم ديني مسيحي.. على غرار ما كانت تحاول جماعة "الإخوان" تطبيقه، عندما وصلوا إلى الحكم.
ومن الخطأ، الذي يصل إلى حد الخطيئة، أن يتناول الباحث تنظيمات إرهابية مثل "أجناد بيت المقدس"، أو "جند الإسلام"، وغيرهما، ويلصقهما بـ"الإسلام"، دون أن يشير إلى التنظيمات الإرهابية التي انتسبت إلى الأديان الأخرى، مثل "جيش الله"..
فهذا التنظيم الذي يرمز له اختصارًا بـ "AOG"، هو اسم منظمة أو جماعة مسيحية بروتستانتية متطرفة ظهرت بأمريكا، بدايات العقد الأخير من القرن الماضي، هدفها مكافحة عمليات الإجهاض والدعارة والشذوذ الجنسي، وارتكب أعضاء هذه الجماعة جرائم قتل، وخطف، وتفجير.
في النهاية، ما نريد التأكيد عليه، أن لكل دين "أتباع متطرفين"، يعتمدون على "تفسيرات شاذة" لتعاليم ونصوص دينهم.. وبعضهم نصَّب نفسه ناطقًا باسم الله، وبعضهم الآخر اعتقد أنه إله، فمنح صكوك الغفران لمن شاء، وأمر بقتل وتعذيب من شاء.. فالعيب فيهم، والخلل فيهم.. في عقولهم.. في تفسيراتهم، وتأويلاتهم.. في فهمهم لدينهم.. وليس العيب في دينهم نفسه.
وليس معنى انتساب بعض المتطرفين إلى "الإسلام"، أن هذا الدين الحنيف، بات دينًا رجعيًا متخلفًا، يجب التخلص منه، وإنتاج دين عصري، لا يعتمد على القتل والإرهاب، كما طالب الكاتب "مدحت قلادة".. وإلا فنحن مطالبون بالبحث عن "يهودية"، و"مسيحية" عصرية جديدة، لا تدعو إلى التعصب والتطرف؛ كما يدعو القس "تيري جونز"، صاحب واقعة حرق المصحف، بجانب مرقص عزيز وشهرته "الأب يوتا"، وعصمت زقلمة، وموريس صادق، ونبيل بسادة، وإيهاب يعقوب، وناهد متولي، وإيليا باسيلي.. وهذه عينة من المتطرفين المسيحيين المتهمين بازدراء الإسلام.