الأصوات اليائسة
جاءت الأوضاع الأخيرة التى شهدتها البلاد، بكل ما حملته من إخفاقات سياسية واقتصادية واجتماعية وما أنتجته من مجازر تسببت فى إراقة الدماء، لتعيد إلى الشارع المصرى نغمة المطالبة بعودة حكم العسكر مرة أخرى، كوسيلة لتخليصه من حكم الإخوان باعتباره السبب الرئيسى فى كل هذه الإخفاقات التى تشهدها البلاد.
فقد شاهدنا خلال الفترة الأخيرة العديد من الدعوات التى تنادى بضرورة عودة العسكر مرة أخرى للحياة السياسية، وقد تمثلت هذه الدعوات فى عدد من المشاهد التى تمثلت فى قيام بعض المواطنين بتحرير توكيلات لتفويض الفريق عبدالفتاح السيسى بصفته وزيرا للدفاع بإدارة شئون البلاد، كما شاهدنا أيضا تنظيم عدد من التظاهرات والمسيرات لتأييد المؤسسة العسكرية ومطالبتها بالعودة إلى الحكم من خلال انقلاب عسكرى يطيح بحكم الإخوان، بالإضافة إلى عودة الشعارات التى اعتدنا على سماعها فى الأيام الأولى من الثورة، والتى تطالب بعودة العسكر مرة أخرى للحياة السياسية.
والحقيقة أنه عند تأمل المشهد بأكمله واسترجاع ما تسبب فيه الحكم العسكرى طوال ستين عاما من إخفاقات، وطوال فترة المرحلة الانتقالية من مجازر نسطيع أن ندرك جيدا أن مثل هذه الدعوات المطالبة بعودة العسكر إلى المعادلة السياسية، ما هى إلا أصوات يائسة انطلقت من مواطنين يائسين أبدوا استعدادهم للانصياع لفاشية عسكرية لا تقل استبدادا وإجراما، عن فاشية دينية يجسدها النظام الحالى.
فمثل هذه الدعوات توحى لنا وكأن فترة الحكم العسكرى التى شهدتها مصر طوال الستين عاما كانت مليئة بالإنجازات التى جاء الحكم الإخوانى وقضى عليها جميعها!!.
فيبدو أن هذه الأصوات اليائسة قد نسيت أو تناسيت أن الإخفاقات التى تشهدها البلاد حاليا تحت الحكم الإخوانى، ما هى إلا استكمال لسلسة إخفاقات نشأت وترعرعت طوال ستين عاما على يد الحكم العسكرى.
كما يبدو أيضا أن هذه الأصوات اليائسة، التى تظن أن عودة الحكم العسكرى سيحقن الدماء التى سببتها مجازر الحكم الإخوانى، قد نسيت أو تناسيت أن ما يحدث فى مدينة بورسعيد اليوم من مجازر ما هو إلا جزء ثان من مجزرة تسبب فيها الحكم العسكرى منذ أكثر من عام على أرض تلك المدينة التى يتمثل مطلبها الرئيسى اليوم فى عودة الحكم العسكرى!
فقبل أن تطالب تلك الأصوات اليائسة بحكم عسكرى يخلصها من حكم إخوانى، لابد أن تتذكر جيدا ما ارتكبه الحكم العسكرى من مجازر فى ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وبورسعيد، وأن تتذكر أيضا معها ما ارتكبه الحكم الإخوانى من مجازر فى الاتحادية وبورسعيد والمنصورة، لتصل إلى أن الحل لا يتمثل فى فاشية عسكرية تخلصها من فاشية دينية، وإنما يتمثل فى التفكير فى بديل ثالث بعيدا عن هذين البديلين.
Nour_rashwan@hotmail.com