نسى أنه زوجى ..! (2)
استمرت نجلاء تحكى فصول حكايتها، كنت أشعر برغبتها الجامحة فى الهروب إلى أى مكان آخر، لتعيد ترتيب أوراقها وأفكارها وحياتها من جديد..
وكان بداخلها شريط لا ينتهى، ودموعها تنزل كشلال من الغضب، فأخرجت منديلا من حقيبتى وطلبت منها أن تمسح دموعها وتهدأ..
بعدها قالت لى بنبرة مكلومة: لقد كنت خلال سنوات زواجى مثال الزوجة الصالحة، أحافظ على بيتى وزوجى وأولادى، ولكننى اليوم لم أعد أتربع على عرش قلب زوجى، وكان زواجه الثانى مرحلة انتقالية بالنسبة لى، فقدت خلالها كل حقوقى المادية والمعنوية ولم يتبق لى سوى ألبوم من الذكريات أقلب صفحاته..
لقد سألت زوجى: لماذا بعد هذه السنوات قررت أن تتزوج بغيرى؟ هل قصرت فى حق من حقوقك أو حقوق أولادى وبيتى؟
فكان يجيبنى: إنك كنت لى نعم الزوجة ونعم الأم لأولادى، ولكننى أحتاج لوجود زوجة أخرى بحياتى .. أتمنى أن تتفهمى هذا..
إنه مازال يطالبنى بأن أتفهم ظروفه، ولم يفكر بأننى كذلك أطالبه بأن يتفهم ظروفى ومشاعرى، وأن يتوقف عن ظلمه لى، ونسيانه لحقوقى، وتقصيره اتجاهى، وهجره لأولاده وبيته..
لقد أجبرنى على قبول واقع أرفضه، وحياة لا تحفظ لى كرامة ولا حقوقا زوجية، حتى صرت أشبه بالمعلقة..
لم أطالبه بأكثر من أن يحترم مشاعرى وأحاسيسى، ويقدر كل ما قدمته له، ويحفظ لى مكانتى وكرامتى كزوجة وكأم وكامرأة لها وضعها الاجتماعى، ولا يضعنى فى مواطن الاتهام والتجريح والتنقيص من قدرى ..
وختمت قصتها وقالت لى: أنا أعرف أنك لا تملكين لى حلولا، ولكنك تملكين أن تكتبى قصتى ربما لو قرأها زوجى قد يتغير، ويعترف بوجودى فى حياته، وربما يقرأها غيره من الأزواج فيحكم بميزان العدل ويعدل بين كفة رغباته وكفة تطبيقه لشرع الله ..
لقد رضيت بمصيرى وقدرى، ومهما غبت عن بيتى لابد أن أعود إليه، فلا يحق لى أن أتخلى عن مسئوليتى اتجاه زوجى ولا أبنائى، ولكننى أحتاج وقتا كافيا لأضمد جراحى لأواصل حياتى من جديد.
ثم توقف القطار عند المحطة، فلملمت ملفاتى ووضعت كتابى فى حقيبتى، وودعت هذه السيدة وقلت لها: عسانا نلتقى ثانية فى محطة أخرى وأتمنى أن أراك مبتسمة ومشرقة، ثم غادرت القطار، ولم تعرف هذه السيدة ما تركته بداخلى من إعصار لقد ظلت قصتها تعيش بداخلى سنوات ..