التجربة الصينية
كثيرا ما نسمع أقوالا رائعة عن الصين وماذا صنعت؟ وماذا فعلت؟ وكيف كانت؟ وكيف أصبحت ؟ وأعتقد أننا في المنطقة العربية قد نقلنا إحدى التجارب الصينية الرائدة الضاربة في عمق التاريخ وطبقناها بنجاح منقطع النظير ولم تستطع شعوب العالم أن تجارينا في هذا المجال الذي تربعنا على عرشه بجدارة لا مثيل لها.
وعند نقلنا لهذه التجربة الصينية التاريخية الفريدة والشديدة الخصوصية أحدثنا تطورا خاصا بنا لزوم أن تصبغ التجربة الصينية بصبغة خاصة بشعوب الشرق الأوسط من المحيط للخليج لتصبح تجربة خالصة لنا فقط ولا يستطيع أحد نقلها عنا فقد أصبحت كالعلامة التجارية ماركة مسجلة.
هذه التجربة الصينية الفريدة باختصار هي الإيمان الشديد أن جمال المرأة في أن تكون أقدامها صغيرة بقدر المستطاع وباستخدام القهر والعنف أحيانا فكانوا يضعون أقدام الإناث في طفولتهم في قوالب حديدية تمنع نمو القدم نموا طبيعيا بل أحيانا في قوالب تتخذ أشكالا تغير من طبيعة الصورة المتعارف عليها للقدم الطبيعية تتسبب في تشوهات مريعة، ومن المعروف أن صغر قدم الإنسان على أقل تقدير تؤثر على توازن الإنسان في سيرته وحركته ووقوفه وجريه وكل نشاط يتعلق بالقدمين مثل النشاط الرياضي بكل أنواعه ومجالاته.
عند نقلنا لهذه التجربة قمنا بإحداث تغيير طفيف ليلائمنا ويلائم منطقتنا الشرق الأوسطية فقد وضعنا الرؤوس والأدمغة والأفكار في القالب الصيني المصنوع محليا وهكذا ظننا أن الجمال في أن نمنع رؤوسنا من النمو وأفكارنا من النمو والتطور وهكذا نمت وتطورت حولنا الأفكار والمجتمعات والشعوب كلها في كل المجالات الفكر، الفن، الموسيقي، العلوم، التكنولوجيا كل مناهج الحياة، شعوب كنا نصفها بالتخلف من عشرات السنين سبقونا الآن بعشرات السنين، شعوب كانت تسبقنا بسنوات أصبحت تسبقنا بمئات السنوات، وظللنا داخل تلك القوالب الحديدية فقدنا كل توازن في حياتنا في تحركنا في معيشتنا في كل شىء حتى في نظرتنا لتطور وتقدم الآخرين.
ولأننا داخل تلك القوالب الحديدية أقنعنا أنفسنا أننا الأجمل والأفضل وأن الآخرين هم القبح نفسة وهم الأسوأ، ظننا أننا سنعيش ويموت الآخرون، أفكار وآراء ومقولات وأحداث وتصرفات عفا عليها الزمان وعششت فيها غربان وبوم الفكر المتخلف بمئات السنين، قوالب وضعونا بداخلها، المجتمع القبلي المجتمع الأبوي، مجتمع الأخ الكبير، مجتمع الزعماء، كلها قوالب حديدية، حتى سياستنا الخارجية والداخلية قوالب حديدية، علاقتنا بالدول قوالب حديدية، علاقة الدولة بالمواطن قوالب حديدية، كل شىء أصبح قالبا لا تستطيع الفكاك منه.
وما زاد الطين بلة أن صناع القوالب الحديدية خشوا من بور تجارتهم فصاروا يروجون لتجارتها ويرغموننا على ارتداء تلك القوالب، كتابا، صحفيين، إعلاميين، دعاة، سياسيين، فنانين وفي حالة الرفض تتهم بأبشع أنواع التهم، تهم قد تصل إلى الكفر بالله ومحاربة الدين والانحلال والفسق وفقد القيم والأخلاق والخيانة والعمالة وكل ذلك ليحشرك فيها حشرا في القوالب التي يصنعها ويملك مفاتيحها، وهكذا تظل مجتمعاتنا وشعوبنا قابعة في القوالب الحديدية التي أصابها الصدأ وهكذا نظن أن الجمال فينا والقبح فيهم والفضل للقوالب الحديدية التي طورناها..أنها التجربة الصينية.