سياسة تغييب العقول
فقبل نحو 17 عامًا تصادف شهر رمضان مع ديسمبر، حيث تقصر ساعات النهار على عكس الصيف.. ومع حرص ملايين المواطنين على مغادرة أعمالهم في وقت واحد تقريبًا والتوجه لمنازلهم قبل المغرب شهدت الشوارع والكباري بالقاهرة الكبرى حالة من الشلل المروري غير المسبوق، لدرجة أن أنيس منصور كتب مقالًا شهيرًا عن تلقيه دعوة للإفطار في منزل إسماعيل سلام، وزير الصحة الأسبق.. فتحرك من المهندسين عصرًا واضعًا في حساباته الزحام.. ومع ذلك وصل منزل سلام بمصر الجديدة مع أذان العشاء!
في هذا التوقيت تلقيت فاكسًا من وزارة الداخلية فحواه أنه تقرر منع السيارات القديمة من استخدام كوبري 6 أكتوبر بعد كثرة أعطال السيارات وتسببها في التكدس المروري.
وطلبت مسئولا كبيرًا في الوزارة وأبلغته رفضي نشر الخبر لأنه غير منطقي.. وقلت له "هل معقول أن المرور سيدفع بأكمنة في مطالع الكوبري ويمنع موديلات الثمانينيات مثلًا من استخدامه والسماح فقط لأحدث الموديلات".. فكان رده "إحنا قولنا نخوف الناس اللي عندهم سيارات قديمة وأعطالها كتيرة وخلاص..!!"
ومنذ أيام تلقت بعض الشركات العقارية المتخصصة في بناء المنتجعات الفاخرة والفيلات اتصالات من مسئولين في جهات رسمية وفحوى الاتصالات....
"بلاش تعملوا إعلانات في التليفزيونات والاكتفاء بإعلانات في الصحف وتكون قليلة علشان إعلانات القصور والفيلات على شاشات التليفزيون مبهرة وتستفز الناس وخليكوا شغالين في السر زي مانتوا.. وأهو نعمي عيون المواطنين عشان مايحصلش قلق في البلد".
هي إذن نفس سياسة التغييب.. والاستخفاف بالعقول.. وتجاهل اللجوء لحلول حقيقية للمشاكل سواء في المرور أو شقق الشباب ومحدودي الدخل أو غيرها من الأزمات التي تحتاج مصارحة وخطوات عملية للتعامل معها.. لكن لا يزال البعض يفضل اتباع سياسة "الضحك على الذقون"!