الأمانة
استقل أحمد ابنى سيارة أجرة وإذا بالسائق يقترب من إحدى السيارات المحملة بالخضراوات ويقول "اخطف اللي تقدر عليه من الخس" وعندما رد عليه أنه حرام قال له "ده مش حرام مش هتفرق يعنى خساية في كل الخس ده".
ماذا حدث للأمانة التي أصبحت مرهونة بتفسير كل فرد منا حسب وجهة نظره الشخصية، فمنا من قد يحللون الرشوة تحت مسمى الإكرامية ومنا من يحلل الحرام بدعوى أنه لن يؤثر ولن يكون ملاحظا من الناس، وهذا ما جعلنا نعيش في مجتمع البعض منه أصبحوا في قلق مستمر أساسه عدم مراعاة الآخرين لله أولا ولقيم ضمائرهم ثانيا.
القيم التي تربى عليها الناس تدهورت خلال العقود الماضية إلى الدرجة التي أصبح ذوى القيم غرباء وأصبح الغش علنا تحت مسمى الفهلوة والقدرة على خداع الآخرين ويسمونه الشطارة في حد ذاتها وقد نسوا أن هناك يومًا سيقف فيه الجميع أمام الله ستوفى كل نفس فيه بما كسبت وهم لا يظلمون.
حتى الذين يربون أولادهم يجدون من يفسد لهم تربيتهم ويرجع الابن في صراع بين ما تعلمه من قيم وما يجده في الشارع من قيم الضد والتي لا يستطيع مواجهتها يوما بعد يوم دون أن يقدر على تغييرها، فالبعض يؤمنون بما يؤمن به هذا السائق الذي يرى أن ما يسلبه من أموال الناس طالما كان بسيطًا بالمقارنة مع ما يراه إذا ذلك لا شبهة فيه وليس حرامًا بل يفتى بذلك للآخرين وكأنه من العلماء.
لم يكن له للأسف من يعلمه الحرام من الحلال وقد يكون قد رأى والده مثلا يفعل نفس الفعل وتعلم منه حتى أصبح سيئ الأعمال عاديًا وهذه هي البيئة التي نشأ فيها وأصبح في النهاية لصًا محترفًا في زي إنسان شريف.
لا شك أن ما يحدث حولنا يؤلمنا، حيث نصطدم بالواقع الذي يسيء إلينا وإلى ماضينا وقيمنا التي يعرفها الناس عنا إلا أن تلك الحوادث التي تؤذى أبنائنا تجعلنا في حيرة من الأمر ونتساءل ماذا سيكون عليه الجيل القادم الذي سيعيش معه هؤلاء الأبناء هل سيعشون معهم كمن يركض كركض الوحوش في البرية ما بين مهاجم ومدافع عن نفسه ويقضى حياته في صراع لا ينتهى، حيث لا يمكن أن تعيش وسط بيئة مضادة لقيم تربيت انت عليها ما لم تتنازل يوما بعد يوم عن هذه القيم حتى لا يلفظك الآخرون وتصبح الثقافة العامة حينها هي "اخطف واجرى".
لا أستطيع أن أقول تعديل القوانين الملزمة فليس في قدرتنا أن نسير وراء كل مواطن غير صالح جندي ليمنع أذاه عمن حوله، وإنما الخوف من الله هو ما يجب مراعاته تلك الرقابة اللصيقة التي تمنع الإنسان من الاقتراب من الخطأ من الأساس.