مشروع قانون للإدارات القانونية.. أم لتمزيق الهيئات العامة؟
بوضوح.. وبعبارات قاطعة.. لا تحتمل لبسا ولا تأويلا.. أقول إن مشروع قانون الإدارات القانونية الجديد الذي يجرى إعداده حاليا.. يتعارض مع المبادئ الأساسية لعلم الإدارة العامة، وسيؤدي إلى تمزيق الهيئات العامة والشركات التي تسري عليها أحكامه؛ إذ استحدث المشروع نظاما فريدا لم يرد في أي قانون ينظم شئون الهيئات والشركات العامة من قبل، سواء أكان قانونا وطنيا، أم قانونا أجنبيا من القوانين المقارنة.
هذا النظام الفريد الذي استحدثه مشروع القانون، يقضي بإلغاء الإدارة القانونية باعتبارها إحدى المكونات الرئيسية للمنشأة الإدارية، وتحويلها من إحدى إدارات المنشأة الإدارية التي تخضع مثل سائر أقسام المنشأة الإدارية الأخرى لسلطة رئيس مجلس الإدارة، إلى كيان منفصل ومستقل وظيفيا عن كيان الهيئة العامة أو الشركة التي هي جزء منه وإحدى مكوناته الأساسية؛ لتصبح جهة قائمة بذاتها تعلو رئيس مجلس الإدارة، كيف لا.. وقد منح مشروع القانون الجديد - في سابقة فريدة من نوعها - للإدارة القانونية سلطة أن تصدر قرارات نهائية تلزم رئيس مجلس الإدارة، الذي لا يجوز له مخالفة قرار الإدارة القانونية إلا بقرار مُسبب منه!
هل يتصور أن يصدر قانون بذلك المعنى.. هل يدرك من أعدوا مشروع القانون النتائج المترتبة على تطبيقه من الناحية العملية؟.. إنه يعني أن السيد الأستاذ الدكتور رئيس الجامعة على سبيل المثال.. الذي يملك كافة الصلاحيات القانونية دون قيد أو شرط على أعضاء هيئة التدريس بالجامعة.. لن يملك ذات الصلاحيات بالنسبة لموظفي الجامعة.. فالسيد رئيس الجامعة لا يلتزم بتسبيب قراره بالتصرف في التحقيق المنسوب إلى أستاذ بالجامعة.. في حين سيلتزم رئيس الجامعة وفقا لمشروع القانون المقدم، بأن يسبب قراره بالنسبة لعامل بالدرجة السادسة بالجامعة، إذا فكر فقط في مخالفة رأي مدير الإدارة القانونية بالجامعة، فهل يعقل ذلك؟
إن مشروع القانون.. يحاول أن يستنسخ دور هيئة قضايا الدولة، والنيابة الإدارية.. وأن يضفيه على الإدارات القانونية، رغم أن هذا الدور المطلوب من استقلال هاتين الهيئتين القضائيتين في عملهما، متحقق بالفعل بوجودهما، ولا يوجد أي مبرر على الإطلاق لاستنساخ دورهما مرة أخرى، دون أي مبرر قانوني أو واقعي، إلا مجرد تحقيق رضاء نفسي لمن لم يلتحقوا بالهيئات القضائية، وشاءت أقدارهم أن يعملوا في أعمال ووظائف أخرى لها دورها الهام والجوهري.
هل يتصور أن يصدر قانون بذلك المعنى.. هل يدرك من أعدوا مشروع القانون النتائج المترتبة على تطبيقه من الناحية العملية؟.. إنه يعني أن السيد الأستاذ الدكتور رئيس الجامعة على سبيل المثال.. الذي يملك كافة الصلاحيات القانونية دون قيد أو شرط على أعضاء هيئة التدريس بالجامعة.. لن يملك ذات الصلاحيات بالنسبة لموظفي الجامعة.. فالسيد رئيس الجامعة لا يلتزم بتسبيب قراره بالتصرف في التحقيق المنسوب إلى أستاذ بالجامعة.. في حين سيلتزم رئيس الجامعة وفقا لمشروع القانون المقدم، بأن يسبب قراره بالنسبة لعامل بالدرجة السادسة بالجامعة، إذا فكر فقط في مخالفة رأي مدير الإدارة القانونية بالجامعة، فهل يعقل ذلك؟
إن مشروع القانون.. يحاول أن يستنسخ دور هيئة قضايا الدولة، والنيابة الإدارية.. وأن يضفيه على الإدارات القانونية، رغم أن هذا الدور المطلوب من استقلال هاتين الهيئتين القضائيتين في عملهما، متحقق بالفعل بوجودهما، ولا يوجد أي مبرر على الإطلاق لاستنساخ دورهما مرة أخرى، دون أي مبرر قانوني أو واقعي، إلا مجرد تحقيق رضاء نفسي لمن لم يلتحقوا بالهيئات القضائية، وشاءت أقدارهم أن يعملوا في أعمال ووظائف أخرى لها دورها الهام والجوهري.
ويكفي في هذا السياق أن أقول إن مهنة المحاماة العظيمة، قديمة كالقضاء، نبيلة كالفضيلة، لازمة لزوم العدالة، والسادة المحامون أعضاء الإدارات القانونية بالهيئات والشركات يباشرون أعمالهم الفنية الجليلة في إنارة الطريق أمام جهات عملهم لتتفق أعمالها وقراراتها، مع صحيح أحكام القانون، فضلا عن أنه لا يوجد تطابق على الإطلاق بين دور الإدارة القانونية بالهيئات والشركات، ودور النيابة الإدارية في الادعاء التأديبي، الذي تنفرد به النيابة الإدارية وحدها دون غيرها منذ أن حملت أمانة الحق في الادعاء التأديبي في عام 1958 أمام القضاء التأديبي وحتى الآن، وهو دور تنفرد به وحدها في مجال الدعوى التأديبية يماثل دور النيابة العامة في مجال الدعوى الجنائية.
أنا لست ضد منح أعضاء الإدارات القانونية المزيد من المزايا المالية والضمانات التي تمكنهم من أداء أعمالهم القانونية في استقلال فني عن سلطة رئيس مجلس الإدارة، ولكن ليس السبيل لتحقيق ذلك بمخالفة أحكام الدستور، ولا بالتعدي على اختصاصات الهيئات القضائية المنصوص عليها بالدستور، ولا بتمزيق أواصر الهيئات والشركات العامة في مخالفة صارخة لكل مبادئ علم الإدارة العامة، فإذا رأى أعضاء الإدارات القانونية أن الضمانات الحالية التي يتمتعون بها حاليا غير كافية، المتمثلة في عدم جواز إقامة الدعوى التأديبية ضدهم عن أخطائهم الفنية إلا بعد التحقيق معهم بواسطة إدارة التفتيش الفني على الإدارات القانونية بوزارة العدل، التي ينتدب للعمل بها ومباشرة التحقيق معهم مستشارون من النيابة الإدارية يتمتعون بكل ضمانات وحصانات القضاة وفقا لأحكام الدستور، فيكفلون بحيدتهم واستقلاليتهم كافة الضمانات المقررة قانونا أثناء التحقيق، ثم تتم محاكمتهم أمام المحاكم التأديبية بمجلس الدولة، التي يمكن أن يمتد اختصاصها ليشمل جميع أعضاء الإدارات القانونية بالهيئات والشركات العامة فلا تتم مجازاتهم جميعا إلا بحكم تأديبي، وبذلك تتم زيادة الضمانات لهم، وتحسين أوضاعهم الوظيفية.
أنا لست ضد منح أعضاء الإدارات القانونية المزيد من المزايا المالية والضمانات التي تمكنهم من أداء أعمالهم القانونية في استقلال فني عن سلطة رئيس مجلس الإدارة، ولكن ليس السبيل لتحقيق ذلك بمخالفة أحكام الدستور، ولا بالتعدي على اختصاصات الهيئات القضائية المنصوص عليها بالدستور، ولا بتمزيق أواصر الهيئات والشركات العامة في مخالفة صارخة لكل مبادئ علم الإدارة العامة، فإذا رأى أعضاء الإدارات القانونية أن الضمانات الحالية التي يتمتعون بها حاليا غير كافية، المتمثلة في عدم جواز إقامة الدعوى التأديبية ضدهم عن أخطائهم الفنية إلا بعد التحقيق معهم بواسطة إدارة التفتيش الفني على الإدارات القانونية بوزارة العدل، التي ينتدب للعمل بها ومباشرة التحقيق معهم مستشارون من النيابة الإدارية يتمتعون بكل ضمانات وحصانات القضاة وفقا لأحكام الدستور، فيكفلون بحيدتهم واستقلاليتهم كافة الضمانات المقررة قانونا أثناء التحقيق، ثم تتم محاكمتهم أمام المحاكم التأديبية بمجلس الدولة، التي يمكن أن يمتد اختصاصها ليشمل جميع أعضاء الإدارات القانونية بالهيئات والشركات العامة فلا تتم مجازاتهم جميعا إلا بحكم تأديبي، وبذلك تتم زيادة الضمانات لهم، وتحسين أوضاعهم الوظيفية.