رئيس التحرير
عصام كامل

هل استأذنت "السلفيين" اليوم ؟!



أيام الاحتشاد الوسطي الجميل ضد بناء الكنائس في مصر، كان السلفيون يتظاهرون ضد بنائها بحجة عدم وجود ترخيص أو أن أساسات المبني أكبر كثيرًا من اللازم ومناسبة لعدد أدوار أكبر من ذاك الموجود بالترخيص أو وقف البناء عن طريق التحرش بالأرض ومالكها، وبرغم كل هزل تلك الدفوعات والطروحات لهؤلاء المتطرفين إلا أنهم كانوا يعتبرون أنها قشة من الحياء تخفي بلطجتهم على الدولة. ولكن في واقعة كنيسة السيدة العذراء بقرية الجلاء بالمنيا، كان الجرأة بالتخلي حتى عن هذا القدر الضئيل من الحياء والمجاهرة بإدارة الدولة حسبما يرون، وكانت رسالتهم على طريقة "من النهاردة مفيش حكومة.. أحنا الحكومة".


فحينما يرفض السلفيون بتلك القرية بناء كنيسة صدر قرار ببنائها من أعلي مسئول تنفيذي، والدولة تقبل وتزعن، بل والأكثر من ذلك يطلب الأمن من كاهن القرية، "القس إسطفانوس شحاته" إعطاءهم وقتا لعلهم يستطيعون إقناع هؤلاء بالموافقة، ثم يعود الأمن بشروط سلفية مُزلة، تحمل عدد الطوابق المسموح بها، وإشرافهم على البناء، وتحديد أماكن الدخول والخروج من الكنيسة وغيرها من الشروط المجحفة، حينما يكون شيخ القرية وموظف الأوقاف بالقرية أقوي من محافظ الإقليم ورئيس الحكومة. حينها نكون أمام حالة من انكسار كامل للدولة.

ما حدث في قرية الجلاء هو بقعة سوداء في ثوب "أسود"، وهو علاقة الدولة والحكومة الآن مع السلفيين، فأصبح من المؤكد أن الحكومة المصرية - في حربها مع جماعة الإخوان المسلمين - تعمل بعقيدة التعامل والتوافق مع التيار السلفي للتأكيد على أن حربها مع جماعة الإخوان ليست حربًا مع الإسلام، ولكن الأكثر تأكيدًا هو أن السلفيين بل والإخوان سعداء جدًا بهذه العقيدة الحكومية.

الحكومة المصرية التي تضع الإخوان بالسجون لانتمائهم إلى "جماعة إرهابية"، هي نفس الحكومة والتي تضع الإخوان بالبرلمان لانتمائهم إلى "أحزاب سلفية"، تلك الأحزاب التي ستخوض الانتخابات البرلمانية بالمخالفة للدستور. لنعود إلى نقطة الصفر، حيث لدينا حكومة لم تفهم بعد ثورة الثلاثين من يونيو، وكيف أنها كانت على تيار كامل وليس على جماعة منه، الحكومة لم تفهم أن 30 يونيو كانت على فكر ديني برمته وليست على أشخاص، فلم يخرج عشرات الملايين من المصريين لاستبدال "ياسر على" بـ " ياسر برهامي"، واستبدال "الشاطر" بـ "بكار" الطامة الكبري أن حكومة "محلب" تتعامل مع السلفيين كطرف أضعف وهذا أمر في منتهي الخطورة. فالويل لحكم يتعامل مع هذه التيارات بضعف.

والحق يقال، إنه في هذا الأمر تحديدًا كان أداء الرئيس مختلفا عن أداء الحكومة، فالسيسي ذهب إلى الكاتدرائية رغم تكفير السلفيين، السيسي وصف نقد الخطاب الديني الذي يتبناه هؤلاء بعبارات، أراها أقوي نقد للذات قيل من حاكم مسلم منذ أربعة عشر قرنًا.

ما شهدناه في الأيام الأخيرة يدل على أن علاقة التوافق والتناغم بين الحكومة المصرية والتيار السلفي تجاوزت إلى ما هو أبعد من ذلك، فبعد عودتهم لمنابر المساجد مرة أخرى، وبعد إقالة الوزير "جابر عصفور" وتعيين وزير محسوب على التيار الإسلامي على رأس الثقافة المصرية، كوزير للثقافة. لنصل إلى المشهد الأسوأ وهو أن يتم "استئذانهم" كما حدث في كنيسة سمالوط. مؤخرًا، نستطيع أن نسأل رئيس الوزراء، "إبراهيم محلب"، حينما يصدر قرارات الدولة هذا السؤال،.. هل استأذنت السلفيين اليوم؟!
الجريدة الرسمية