رئيس التحرير
عصام كامل

كيف نعى نزار قباني ابنه توفيق


يقول نزار قباني في نعي ابنه توفيق، مات ابني توفيق في لندن، توقف قلبه عن العمل، كما يتوقف قلب طائر النورس عن الضرب، وهو على بعد خطوتين من الشمس.


كان توفيق أميرا دمشقيا جميلا، كان طويلا كالزرافة، وشفافا كالدمعة، وعالى الرأس كصواري المراكب.

وكانت تتبعه إذا مشى أزهار اللوتس وشقائق النعمان وغزالات الصحراء.

ويكمل نزار ذرف حزنه: تعرفت هذا الصيف على الموت بصورة شخصية.

قابلته وجها لوجه ورأيت تقاطيع وجهه بالتفصيل.

كان يلبس معطفا داكنا، ويتنقل بعربته في حقول الريف، ليجمع الأزهار النادرة، ويصطاد الأسماك النادرة، ويدعو الأطفال إلى نزهة صباحية معه في الغابات، وعلى ضفاف البحيرات.

ويرى نزار أن في الكتابة ما يعزيه في فقدانه لأبنه فيقول: إكتشفت اليوم أن الكتابة عنه هي أفضل طريقة لاستحضاره.

كلما شرعت في الكتابة أسمع صوت خطاه على الورقة، وخفيف ملابسه وهو يركض بين الحروف كما يركض أرنب بين سنابل القمح يتسلق على الألف ويجلس على اللام ويستلقي على السين وينام حين ينغمس في داخل (العين).

ويضيف: فما دام توفيق موجودا في حروف الأبجدية، وما دمت أستطيع أن أراه وأن أسمعه كلما فتحت غطاء القلم، فسوف أواصل الكتابة.

ويتساءل نزار بحزن نبيل: أين ذهب توفيق؟

لماذا ترك سريره ودشداشته البيضاء وأقلامه وكتبه وسيارته أين اختفى توفيق؟

هل ابتلعته سمكة من أسماك البحر؟
أم نطحه وعل بري؟ فمات شهيدا كأدونيس؟
أم حسبته الغابة شجرة من أشجارها ورفضت أن تعيده؟
أم أخذته زهرة لوتس إلى قصرها المائي وتزوجته سرا؟
أم تراه سقط في بئر عميقة وإلتقطته إحدى القوافل وباعته لفرعون مصر؟
لماذا خذلني توفيق؟
واختار الذهاب مع ( امرأة العزيز )؟
هل وجد فندقا أحسن من قلبي؟

ويتساءل نزار بحيرة وأسى: هل الموت رجل أم امرأة؟

لم أكن أناقش جنس الموت من قبل ولكن بعد أن ذهب توفيق بكل وسامته، وملاحته، وصورته اليوسفية تأكدت أن الموت امرأة ربطت خصلات شعره الأشقر بمنديلها الحريري وخطفته إلى بيتها قبل أن تخطفه واحدة من بنات الأرض.

فياسيدتي التي تخبئين ولدي في غرفة نومك التي ستائرها غمام، وشراشفها غمام، ومخداتها غمام لا اعتراض لي على زواج توفيق منك فانا اب عصري أحترم العشق، وأقف مع العشّاق في جميع معاركهم، ولكن من حقي – كأب – أن أعقد ربطة عنق توفيق في ليلة عرسه إنني أنحني أمام رهافة ذوقك، وروعة إختيارك، يامن تستحمين الآن مع ولدي في مياه السحب البنفسجية وتقطفين له الفاكهة من بساتين الله ليس في نيتي أن أذهب إلى المحاكم، وأقيم عليك الدعوى بتهمة إختطاف طالب في السنة الثالثة من كلية الطب.

إنني أعرف سلفا أن دعواي مردودة، وأن جميع القضاة في العالم - إذا رأوا صورة توفيق معك - حكموا لكِ بالبراءة وحكموا على بالصبر إنني أعرف سلفا أنك لن تعيديه إليّ من ذا يختطف ملكا خرافي الملامح مثل توفيق ويرضى أن يعيده إلى العرش؟

ويناجي نزار أبنه وكأنه طفل يناجي دفء أمه:
يا حبيبي توفيق!
هل تصلكم الصحف هناك؟
وهل قرأت فيها أن أختك هدباء وضعت مولودا ذكرا سمتّه (توفيق)؟
لقد كانت هدباء مصممة على أن تحمل بك وكانت متأكدة أن الذي في بطنها هو أنت وشاء الله أن لا يكسر أحلام هدباء فوهبها توفيق الثاني. فكأنها من فرط شوقها إليك قد ولدتك.

آه يا نزار أه يامن تجعل من الموت حياة، ومن القبح جمال. هل نعيتني عند مماتي؟ رحمك الله يا نزار ورحم توفيق ولعلك إلتقيت به في السماء وباركت زواجه من حبيبته.
الجريدة الرسمية