رئيس التحرير
عصام كامل

"نزار قباني" يكشف سر الارتباط بين زوجته وياسر عرفات


لك أن تتزوج امرأة وتعيش معها عمرك كله، لتكتشف بعد وفاتها أنها ابنة رجل آخر غير أبيها، ولأن الشعراء هم أكثر الناس بؤسًا على هذا الكوكب المحمّل بالتناقضات، يبدو نزار قباني شاعر الرومانسية الأكبر في تاريخ العرب الحديث، ممن لعبت بهم الأقدار.


يقول نزار: "لم أكن أعرف أن لياسر عرفات ابنة اسمها بلقيس إلا في وقت متأخر، فليس في حياة القائد الفلسطيني ما يشير إلى وجود ابنة له، بل ليس في تاريخه ما يشير إلى أنه تزوج ذات يوم، صحيح أنهم ينادون ياسر عرفات (أبو عمار) ولكن هذه التسمية ليست أكثر من كنية يكنون بها القائد الكبير، الذي لم يجد أجمل من الثورة الفلسطينية زوجة يعقد قرانه عليها، إذن فمن أين جاءت بلقيس ؟ وكيف تناديه "يا أبي"، ويناديها يا ابنتي؟ والذي يجعل القضية أكثر إثارة، ويعطيها بعدها الدرامي، أن بلقيس هذه "هي زوجتي"، فكيف لم اكتشف أنني صاهرت ابا عمار وتزوجت ابنته، وانجبت منها زينب وعمر، إلا يوم قتلت بلقيس تحت أنقاض السفارة العراقية في بيروت ".

يكمل نزار حكايته عن هذا الرباط الذي وجده بين بلقيس وعرفات، فيقول: "في هذا اليوم بالذات، ظهر أبو عمار فجأة في منطقة الخراب، كانت أمطار الحزن تغطي وجهه، وكانت عيناه تشتعلان كجمرتين، وكان يصرخ بصوت متهدج: اين انت يا ابنتي ؟ ردي على ابيك يا وردة ؟ ياوردة الثورة الفلسطينية؟ وبقيت الوردة تحت الأنقاض خمسة عشر يوما، وكان أبو عمار يذهب كل ليلة، لينكش بين الحجارة والحطام ونظارات العيون المحترقة والاهداب المحترقة، عن ابنته التي زوجني إياها دون أن يدري، وتزوجتها أنا دون أن أدري أن ياسر عرفات كان أباها، وخلال أربعين يوما كان ياسر عرفات يمد جناحيه الكبيرين علينا، ويقعد ساعات إلى جانب أم بلقيس، يلاطفها، ويداريها، ويواسيها، ويكفكف دمعها، ولا أنسى أبدًا نورانية وجهه، وحنان تعابيره، وهو يقدم لها لقمة الطعام بأصابعه، وكوب الماء بيده، محاولا أن يبدد غمامة الحزن عن عينيها، وينتزع الابتسامة من شفتيها بأي ثمن".

ويتابع نزار: "في تلك اللحظات عرفت الوجه الآخر لياسر عرفات، كلكم يعرف ياسر عرفات مناضلًا، وثائرا، وقائدا تاريخيا للثورة الفلسطينية، ولكنكم لا تعرفون ياسر عرفات حين يتحول إلى غمامة ماء، وجدول حنان، ومنارة رحمة".

بعيدا عن تعلق أي امرأة بشخصية البطل، ورموز البطولة، فإن ثمة سرا كان يربط بين بلقيس، والقائد الفلسطيني، سرًا لم يتضح إلا بعدما تحولت بلقيس إلى غمامة بنفسجية، وكوم رماد، والحقيقة أن حماس ياسر عرفات لبلقيس، واصراره على تشييعها بكل المراسم التي يشيع بها أبطال الثورة الفلسطينية ككمال ناصر، وغسان كنفاني، وأبي حسن سلامة، وكمال عدوان، وأبي يوسف النجار، تلقى أضواء على السر كبير، أما جنازة بلقيس فحولها عرفات إلى مهرجان عزة وكرامة وعنفوان، فمشت خلف نعشها كل رموز الثورة المسلحة من دروع، ومصفحات وصواريخ ومضادات ومقاتلين، كأنما قرأ أبو عمار أفكار بلقيس، فأراد أن يطمئنها أن الثورة الفلسطينية لا تزال قوية وشابة وواثقة من نفسها.

وعلى الطريق من الجامع إلى مقبرة الشهداء، كان أبو عمار يشد على يد نزار بقوة، وكانت بلقيس تختال بثوب عرسها الأبيض، فقد كان من أحلامها الكبرى أن تتزوج على هذه الطريقة، ويكشف أبو العمار السر لنزار، فيقول نزار: "عندما رجعنا من الجنازة إلى مكتب أبي عمار، بدأ القائد الفلسطيني يتكلم عن بلقيس الراوي، وبدأ اللغز ينكشف، فقال: "في مارس 1968، وكنا خارجين من معركة (الكرامة) جاءتني إلى منطقة الأغوار في الأردن فتاة عراقية فارعة القامة تجر وراءها ضفيرتين ذهبيتين، وطلبت مع زميلاتها في ثانوية الأعظمية للبنات في بغداد، تدريبهن على حمل السلاح، وقبولهن مقاتلات في صفوف الثورة الفلسطينية، وبالفعل أعطينا الفتيات العراقيات، ومن بينهن بلقيس، بنادق، وأخذناهن إلى ساحة الرمي حيث تعلمن إطلاق الرصاص، وأساليب القتال، وكانت الفتيات سعيدات بملامسة السلاح، وكنا سعداء بأن تنضم إلى الثورة الفلسطينية هذه الزهرات من أرض العراق".

ويتابع: "كتب لنا القدر أن نواصل نضالنا في لبنان، كما كتب لبلقيس أن تعمل في سفارة العراق في بيروت، وذات يوم، كنت مدعوا للعشاء لدى أحد الأصدقاء في بيروت، فإذا بالفتاة ذات القامة الفارعة، والضفيرتين الذهبتين، التي جاءتني متطوعة إلى الأغوار قبل عشر سنوات تدخل، وتدخل معها ذكريات نصرنا الجميل في( الكرامة )، وتصافحني بحماسة رفيق السلاح".

ويستطرد نزار: "والتفت إليّ أبو عمار، والدمعة عالقة بأهدابه، وقال: هل تعرف يا نزار أن الفتاة التي تزوجتها انت، فيما بعد، هي رفيقة السلاح التي جاءتنا إلى الأغوار في اذار 1968، وأكلنا معها خبزًا.. وزيتونا ؟ لذلك يا أخي يا نزار، نحن نشيعها كمناضلة فلسطينية وندفنها إلى جانب الشهداء الفلسطينيين، ونلفها بالعلمين العراقي والفلسطيني، تكريما للأرض التي اطلعتها، وللثورة التي نذرت نفسها لها، أن بلقيس الراوي لم تكن زوجتك، بقدر ما كانت ابنة الثورة الفلسطينية".

وينهي نزار حديثه، قائلًا: "هكذا تكلم أبو عمار، وفي اليوم الثاني، ذهبت إلى مقبرة الشهداء لأزور حبيبتي فوجدت على رخامة قبرها الكتابة التالية: "الشهيدة بلقيس الراوي استشهدت في 15 ديسمبر 1981، يا جبل ما يهزك ريح.. يا جبل ما يهزك ريح".
الجريدة الرسمية