أين الله تقود «كرم صابر» إلى السجن
«أين الله» سؤال يساوى 5 سنوات سجنًا، أما صاحبه فكان الكاتب والحقوقى كرم صابر، لم يكن مجرد سؤال عادى بل كان عددا من المقالات حملت اسم «أين الله»، لتثير جدلا واسعا بين القراء والمثقفين في مصر عام 2010، قبل أن تنشرها دار «نفرو»، وتوزعها مؤسسة الأهرام عامى 2010 و2011.
تمت طباعة هذه المجموعة مرتين، وكانت طباعتها للمرة الثالثة من نصيب الموقع الإلكترونى للدار، فيما بلغ عدد قرائها نصف مليون قارئ، وتضمنت عددًا من العبارات اعتبرها البعض كفرًا بالله، فيما عبر مثقفون وأدباء عن غضبهم من هذه المقالات، واعتبروها عارًا على الأدب والثقافة المصرية، قبل أن يصدر حكم قضائى بالسجن 5 سنوات على كرم صابر بتهمة ازدراء الأديان.
كانت أبرز المقتطفات المنشورة في مقالات المجموعة القصصية، وصف الكاتب (الله عز وجل) في إحدى قصصه بـ«ست الحسن على لسان البطل»، وأنه شاهد الرب في قصره يجلس كملك متوج بالنصر يدخن البانجو والحشيش على شيشة كبيرة تصل لألف متر، ويتشح بملاءات بيضاء وحمراء، والملائكة تضع أكوام النار فوق حجر الشيشة الممتلئ بالمخدرات، وفقًا لما جاء بكاتابات صابر الموصوفه بالعار.
«قال الرب المتشح بالبياض يا عبدى سوف آخذها بإرادتك أو دونها... يا ولدى روعة ست الحسن وسمانتا قدميها أذهلتنى وخبلت عقلى وصمتت الملائكة بعد أن كونت كلمات ست الحسن الرب الرحيم بجوار حائط القصر ونظر لعرشه الشامخ الذي تهتز له السماوات السبع وتعجب من رفض امرأة لأوامره وبكى حزنا على جهل عباده»، بحسب ما تضمنه أحد المقالات.
الطفل يتساءل ويقول بسخرية عن الصراط المستقيم: «اندهشت من حكاية عبده وتساءلت كيف تمشى على خيط رفيع كشعرة الرأس دون أن تقع ولماذا لا يصدقون ما حدث ليلة الأمس؟»
وكأنه يعاتب الإلهة، تساءل «صابر»: «لماذا تقف بعيدا يالله لماذا تختفى في أزمنة الضيق وكبرياء الشرير تحرق المسكين؟»، وبطريقة أخرى قال: «إلهى في النهار أدعو لك فلا مستجيب في الليل أدعو فلا هدو لي»، ثم أضاف: «لماذا تتغافى يا رب انتبه لا ترفض إلى الأبد لماذا تحجب وجهك وتنسى مذلتنا؟»
«لا أنكر أن مأزق عدم الاستجابة لما أطلب قد صادفنى كثيرا واعتبرت أن أولى خطوات الكفر هو عدم معرفة آليات استجابة الله لمطالب البشر، ولذلك تعاملت طبقًا لقول السيد المسيح (لا تجرب الرب إلهك)، وأصبحت لا أطلب شيئا وما يريد أن يعطينى الله إياه سوف أحصل عليه سواء طلبته أم لا، وأرى أن السيد المسيح قد حل هذه الإشكالية التي قد تؤدى للكفر بتوصيتنا أن نطلب مشيئة الله».
كما يروى قصة معروف الذي كان لا يغضب ولا يحزن وكان متسامحا ضد شتاميه، وكان يرى الله في كل مكان أي أن الكون وما فيه هو جزء من الله، وأعطى من صفاء الروح ما يمكنه أن يعرف ما يدور في نفوس الناس، ويرى أن الله يهتم بطهارة القلب ولا ينظر إلى وجوهنا أو جيوبنا ولكنه يريد عبادا راضين بالمقسوم، ولذلك عندما حرق قمحه قال سوف يهبنى الله بدلا منه يوم القيامة.
ثم يتحدث عن قصة القمص الذي غرقت جاموسته، قائلا: «ينظر معروف للسماء ثم يبصق تجاه الغرب، ويسب ذلك الذي أتباعه يسرقون البشر وشرير وتملؤه الظلمة والجاموسة زوجة الشيطان».
ومن الكتابات التي أثارت غضبًا شديدًا، قوله: «الله ليس بهذه السذاجة ليبشرنا بجنة للجوعى والمكبوتين، الجنة في روحنا وحياتنا، بينما النار التي تلوث بها سمعنا كل خطبة من صنع الكفرة أمثالك»، هنا يمكن القول إن «معروف» اعترض على الفهم الحرفى للنص لكن الصوفيين رأوا أن الوصف القرآنى ليس إلا تعبيرًا ضمنيًا عن مجتمع لا توجد به معاناة للإنسان، وأن الجنة في الآخرة ليست إلا بالقرب أو البعد عن الله، حيث الصالحين سيكونون قرب الله بينما النار الحقيقية ليست إلا العزلة عن الله، ولم يكن هناك مجال لتقريب تلك الصورة إلا من خلال رموز يدركها الإنسان في ذلك العصر.
وكذلك كتابته: «الله رب قلوب والعمل عبادة.. الله لا ينظر إلى وجوهنا ولا إلى جيوبنا، ولا تهم الصلاة والصوم إذا كان الجشع والغل يملآن قلوبنا»، وعن القول بأن العمل عبادة تساءل: «كيف يعزق ويروى ويحش الزرع وهو يموت من العطش؟»، وجميع ما سبق قواعد إيمانية عامة كان يعرفها المجتمع، ويطبقها قبل الغزو الصحراوي، وأصبح الدين في الأساس «أدى الفرض وأنقب الأرض».
وتساءل كذلك: «لماذا لا يصرح للمرأة بالزواج بـ 4 رجال وهناك بحبح المغنواتى الذي ينشد نشيد التوبة ويطلب هو وباقى الحلقة التوبة والغفران ثم يستريح ليدخن الحشيش ويشرب الينسون ليعود مرة أخرى ليطلب الغفران؟»
وكتب أيضًا: «يعيشون آمنين، تمتلئ قلوبهم بالتسامح بالرغم من أن أغلبهم لم يدخلوا قط مساجد، يعيشون وسط الحقول والورش وبين الحوارى والمواشى والشجر سعداء محبين ومحبوبين يدفنهم الحب الروحى دون أن يقيموا فروض الله»، يواصل كتاباته: «وجهه القبيح يخيف الأطفال والله يغضب من رائحتهم النتنة رغم العطور الحجازية التي يضعونها»، ثم استطرد معروف: «انضفوا يا كفرة رائحتكم تملأ الحارة عفونة».
أما موقفه من المرأة التي غطت وجهها: «يا شيخة العرب ارفعى حجابك إن الله يحب الجمال يا أم شعر أكرت»، وتكتمل لديه صورته عن مجتمع الثقافة الوهابية التي رأى أنها أزاحت ثقافتنا المصرية من خلال وصف إحدى شخصيات الحب الإلهى لهم: «كلاب تنهش لحومنا دون أن ترهبهم أحاديث نبوية أو آيات قرانية ملأوا الحوارى بزوايا وجوامع وامتطوا عمم الإمامة بعد أن نزعت من قلوبهم الرحمة، ينعمون بالصلاة في المساجد المبهرة وحج البيت الحرام يستمتعون بالغل ومخالفة شريعة الله والإنسانية باسم الدين».
«صابر» تحدث عن مجموعة مقالاته «أين الله» مشيرًا إلى أن مأساته كانت عندما عاد لقريته بعد غياب، وتصارعت ذكريات أيام جميلة فقدت في الحقبة الجديدة التي بناها الفكر الوهابى وعلاقاته الاقتصادية التي عمادها سماسرة وتجار يبيعون الهواء والماء لنشرب وننتنفس بحساب، ولا يملكون إلا الحديث عن القبح والغل والكرة والنار والشياطين لينزعوا منا التسامح ومن هنا كان دعاؤه الأخير «يا رب إننى أراك.. واثق بأنك ستعود لتحمينا وتعيد لنا البراح والأمل لا تخذل دعاء عبد آمن بك».
واعتقد أنه سؤاله «أين لله» يتفق مع عتاب نبى الله «داود» عليه السلام، قائلا: «لماذا تقف بعيدا يالله.. لماذا تختفى في أزمنة الضيق وكبرياء الشرير تحرق المسكين.. لماذا تتغافى يا رب؟ انتبه لا ترفض إلى الأبد.. لماذا تحجب وجهك وتنسى مذلتنا؟»
ومن بين تساؤلاته كذلك: «أين الله يلاحظ أن الإيمان به في حياة كل شخصياته والصراع الذي يظهر من الصفحة الأولى لقراءة الدعاء لم يكن صراعًا عمادة الكفر بالله ولكنه ما بين ثقافة بدوية أحادية ملقنة يملؤها الحقد والكرة والغل، ترى أدى الفرض وأنقب الأرض وثقافة زراعية عمادها ربنا يرى قلوبنا ولا يرى أوجهنا أو جيوبنا؟»
واستمر في كتابته التي تسببت في صدور حكم ضده، وكان من أبرز ما كتب: «إذا كانت حرية السب والشتم وقذف الآخرين وبث الكراهية والتحريض على قتل المختلفين متاحة للوهابيين وكتابهم فمن الأولى أن تترك حرية الإبداع للكتاب والأدباء، والتي لن تكون إلا لخلق إنسان مصرى يتناسب مع ما يشهده المجتمع المصرى من حراك»، مستنكرًا أن ترتضى الكنيسة بأن تصبح جزءًا من الهجمة الوهابية على الفكر والعقل المصري.
c.v
- ولد كرم صابر في ١٩ يوليو عام ١٩٦٤
-أصدر «أين الله» في عام ٢٠١٠
-مؤسسة الأهرام قامت بتوزيعها عام ٢٠١١
-أدين مرتين بالإساءة إلى الذات الإلهية وتم تأييد سجنه ٥ سنوات
-شديد الانتقاد للحجاب والنقاب وعدم -إباحة تعدد الأزواج للنساء.