وداعًا.. شوارع الجيزة!
علموا أولادكم الفنون ثم أغلقوا السجون.. مقولة لأحد الفلاسفة تجيب عن التساؤل الذي يحيرنا.. ماذا جرى للمصريين؟.. ولماذا كل هذا العنف والعشوائية في حياتنا؟.. وكيف اختفى الجمال والرقي والتحضر من مجتمعنا؟
تركنا القبح يتسلل إلينا ففقدنا الذوق والقدرة على تلمس الجمال.. وإذا وصل الإنسان إلى هذه الحالة يكون المجتمع نفسه سبقه للسقوط في مستنقع التردي في كل شيء.
لم يفلح كل هذا الكم من التراث في الموسيقى والغناء والأدب والشعر ومختلف الفنون، في إنقاذ مجتمعنا من السقوط لأننا تعاملنا معه وكأنه ماضٍ لا يخصنا.. وتلقفنا ما يتم إنتاجه من أشباه الفنون فتحولنا جميعًا إلى أشباه مصريين.. فالمصري الحقيقي الذي يعرفه العالم أجمع هو نتاج الحضارات والفنون الراقية على مر العصور.
اكتشفت بشاعة ما وصلنا إليه عندما جاءني سؤالها عن أحوال شوارع الجيزة التي تركتها منذ نحو ربع قرن، وتعيش ذكرياتها الجميلة في الغربة مع روعة تلك الشوارع التي طالما حدثنا عنها عمنا الكبير محمود السعدني، الذي كان مفتونًا بالجيزة وحاراتها وأزقتها.
سألتني عن سحر شارع البحر الأعظم عندما يحتضن شمس الغروب في أيام الشتاء، وعن الطبيعة الخلابة لشارع مراد بعد العصاري.. ومحال شوارع ميدان الجيزة وناسها الطيبين، وعن أشياء كثيرة تبدلت وتغيرت بفعل القبح والعشوائية.. اختلف الحجر والبشر.. ليس في الجيزة فقط ولكن في كل مكان كان جميلا في مصر.
في رائعة يوسف زيدان "عزازيل" هبط الشاب القادم من أقصى الجنوب على الإسكندرية متشوقًا لرؤية البحر، فاستوقف فتاة ليعرف منها كيف يصله فكان ردها حاسمًا وقاطعًا.. "لا تسأل أحدًا عن البحر.. اسلك أي شارع ستجد في نهايته غايتك".
إلى هذه الدرجة كانت الإسكندرية تحفة معمارية في التخطيط منذ آلاف السنين.. وكذلك شوارع وسط البلد.. وغيرها وغيرها.
عادت لتسألني هل تغيرت مصر للأفضل؟.. قلت لها عندما تستعيد الجيزة جمالها المفقود.. تكون مصر قد تغيرت للأجمل وليس للأقبح!