حديث ما بعد منتصف الليل!
حديث الدكتور "محمد مرسى" رئيس الجمهورية، والذى سبقت إذاعته على الجماهير مشكلات سياسية وفنية شتى، وتبعت إذاعته تعليقات لا حدود لها تحتاج إلى أن نحلله بتطبيق منهج تحليل الخطاب!
وهذا المنهج الحديث فى العلم الاجتماعى ينطلق من مبدأين أساسيين هما "أن ما سكت عنه الخطاب قد يكون أهم مما ذكره الخطاب"!، والمبدأ الثانى تحديد ما لم يفكر فيه الخطاب!
ولكن دعونا قبل ذلك كله أن نتأمل فى الدلالات السياسية والحضارية فى واقعة تأجيل إذاعة الخطاب على جماهير الشعب المصرى المتلهفة على الاستماع إلى أقوال الرئيس المحبوب من الساعة الثامنة مساء – كما أعلن- إلى الساعة الثانية بعد منتصف الليل.
وهى سابقة تاريخية ليس لها مثيل فى بلاد العرب أو فى بلاد العجم! وقد انطلقت تفسيرات "تآمرية" شتى لتعليل السر الخطير فى تأجيل إذاعة الحوار خمس ساعات كاملة! قيل – والعهدة فى ذلك على الراوى- إن مكتب الإرشاد شكل فريقاً من الخبراء الذين لا يشق لهم غبار لكى يمارسوا عملية "مونتاج" إخوانية للحوار قبل إذاعته وذلك انطلاقاً من الإيمان المطلق بطيبة الرئيس وأن "اللى فى قلبه على لسانه" وأنه تعود على أن يتحدث بطريقة تلقائية لا تقيم وزنا لأى حسابات سياسية.
وذلك لكون شخصيته تلقائية، والدليل على ذلك أنه وهو فى "عّز" المؤتمر الصحفى الذى وقف فيه إلى جانب السيدة "ميركل" رئيسة جمهورية ألمانيا ضاق بالأسئلة، واختنق من مناخ المؤتمر، فنظر إلى ساعته وهو فى حالة تبرم وملل شديد ليرى كم أمضى من وقته الثمين فى هذا المؤتمر التافه! وقد شاهدت الواقعة على شاشة التليفزيون، ولم يلحظ الرئيس "مرسى" أن "ميركل" نظرت له باندهاش شديد وهى ترى بعينى رأسها مخالفة صارخة لأبسط قواعد البروتوكول التى يراعيها رؤساء الدول بمنتهى الدقة! عموماً نرجع لموضوعنا الأصلى! قيل إن غرفة "المونتاج" الإخوانية مهمتها أن ترفع من الحوار أى تصريح سياسى له قيمة، وأن تحذف كل ما ذكره – إن كان قد ذكر شيئاً- عن زعماء المعارضة، وأن "تشفى" الحوار من أى فكرة هامة، -هذا لو كانت فيه أفكار أصلاً- حتى يخرج الحوار تماماً كالماء لا لون له ولا طعم ولا رائحة!
وقيل فى تفسير إضافى إن المشاوير بين المقطم، حيث مقر مكتب الإرشاد وقصر الاتحادية تعددت، وذلك لأن عمليات المراجعة وإعادة المراجعة حرصاً على الدقة "العلمية" الشديدة فى الحوار أطالت المدة! غير أن المصادر الإخوانية المطلعة نفت بشدة هذه التفسيرات التآمرية التى تبرع بإذاعتها "الأشرار" من زعماء المعارضة، وقررت أن سر تأخير إذاعة الحوار تكنولوجى بحت!
ألا لعنة الله على التكنولوجيا وهى – فى أعراف بعض المتنورين من الإسلاميين- بدعة غربية وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار! ولكن ماذا تفعل الجماعة مع إيصال صوت الرئيس إلى الجماهير بغير استخدام هذه التكنولوجيا؟ ولأن الضرورات تبيح المحظورات قررت الجماعة استخدام أرقى الوسائل التكنولوجية فى البث التليفزيونى.
غير أنه فى التطبيق ثبت أن خبراءهم مجموعة من "الميكانيكية" الذين لا يعرفون أسرار البث التليفزيونى! ولذلك ظهرت تفسيرات بارعة من كون أن "الإشارة" لم تستطع أن تخرج من قصر الاتحادية، ولذلك أسرعوا إلى ماسبيرو، فتبين أيضاً أن الإشارة "حرنت" ورفضت أن يذاع الحوار من ماسبيرو. وإلى أن تم إصلاح العطل الفنى كانت الجماهير قد استغرقت فى النوم العميق، فى الوقت الذى – من فرط الذكاء النادر- تقرر إذاعة الحوار الساعة الثانية صباحاً!
والسؤال الساذج من جانبنا: ألم يكن أكرم لهم تأجيل إذاعة الحوار ليلاً إلى صباح اليوم التالى حتى يكون "الشعب" المتلهف قد استيقظ من النوم؟ وأين احترام الوقت كقيمة عصرية، وأين احترام الجماهير الذين تم تضليلهم لعدة ساعات بالإشارات على شرائط الأخبار التى تقول "انتظروا حوار الرئيس بعد دقائق" ثم تتحول الدقائق بقدرة قادر إلى ساعات!
نسيت أن أطبق مبادئ تحليل الخطاب، وأهمها على الإطلاق "ما لم يفكر فيه الخطاب"، وهو أن يقول صاحبه أى شىء أى شىء له أهمية سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية بالنسبة للجماهير المتلهفة على سماع صوت الرئيس! أم أنه– وفقاً للحكمة الإخوانية الشهيرة- لا صوت يعلو على صوت الصندوق حتى لو أعلن الشعب بجماهيره الغفيرة العصيان المدنى رفضاً لحكم المرشد به؟!
eyassin@ahram.org.eg