رئيس التحرير
عصام كامل

مصر بين مطرقة الإرهاب.. وسندان الفساد؟!


يمتلك الشعب المصري موروثا ثقافيا شديد الثراء، وهو مخزون من الأمثال والروايات والحكم التي هي خلاصة تجربة وعصارة فكر السابقين، الذين بنوا حضارة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ وصلت إلى سبعة آلاف سنة، وهذا المخزون الاجتماعي الموروث يتم استدعاؤه تلقائيا في المواقف الحياتية المختلفة، ويتم الاستشهاد به للتدليل على صحة تحليلات المواطن البسيط، وفي كثير من الأحيان يقوم الباحثون والمتخصصون في العلوم الإنسانية باستخدام هذا المخزون الاجتماعي الموروث كأداة تحليلية لتشخيص الواقع الاجتماعي.

وفي اللحظة الراهنة من عمر الوطن، يمكننا استدعاء أحد هذه الإبداعات المصرية لتشخيص الواقع المصري المعاش، فحين يصف الموروث الشعبي المصري أن من يقع بين المطرقة والسندان فإنه قد وقع فريسة سهلة بين قوتين سيهلك حتما بواسطتهما ولا يمكن أن ينجو أو يخرج سليما؛ ذلك لأن المطرقة بقوتها حين تعلو في الهواء وتهبط فوق السندان الثابت والراسخ على الأرض، يكون الواقع بينهما حتى ولو كان حديدا وفولاذا، فهو هالك لا محالة.

وإذا ما حاولنا تطبيق ذلك على الواقع الاجتماعي المصري في اللحظة الراهنة، وبعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو، يمكننا القول إن جماعة الإخوان المسلمين وحلفاءها من تيار الإسلام السياسي، هم المطرقة التي ترتفع في الهواء لتهبط بقوة فوق رأس الشعب المصري، في حين أن السندان الثابت في الأرض بقوة هو نظام الفساد الذي زرعه مبارك عبر ثلاثة عقود كاملة، سبقها عقد آخر قام فيه السادات بتجهيز التربة لزراعة الفساد عبر منظومة الانفتاح والتبعية التي شجعته عليها حليفته الأمريكية وربيباتها الصهيونية، حين أطلق الرجل صرخته المدوية الكاذبة والخادعة لجموع شعبنا أن 99% من أوراق اللعبة في يد الأمريكان، والنتيجة أن الشعب المصري وقع فريسة بين مطرقة الإرهاب وسندان الفساد، وكلما حاول الإفلات من بين المطرقة والسندان بموجاته الثورية ورفضه للواقع سرعان ما تعودا المطرقة والسندان لتحكما سيطرتهما عليه مرة أخرى، وتقوم بهرس لحمه وطحن عظمه، حتى لا يقوى مرة أخرى على التعافي.

إذن ما هو الحل بالنسبة لهذا الشعب الذي لا يبغي إلا الإفلات من بين المطرقة والسندان، ولا يطالب بغير الحياة الكريمة، فمطالبه في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية مطالب عادلة ومشروعة لكن لا يمكن تحقيقها في ظل الإرهاب والفساد، القوتين الأكثر هيمنة وسيطرة داخل المجتمع المصري، فالمطرقة هي جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها، والسندان هو الحزب الوطني المنحل شكلا والباقي مضمونا، الذي يشكل قوة هائلة راسخة بفعل عوامل كثيرة.

فمطالب الفقراء والكادحين والمهمشين لا يمكن تحقيقها في ظل بقاء المطرقة والسندان والتفاعل بينهما، لذلك يجب على هؤلاء المطحونين أن يطيحوا بالمطرقة والسندان معا، وليعلموا أن محاولة النجاة لا يمكن أن تأتي إلا بمواجهة حقيقية مع كليهما في ذات الوقت، فالمعركة مع طرف وترك الآخر يجعله يتمكن أكثر، وبالتالي تصعب معه إمكانية خلعه.

وإذا كان الشعب المصري قد خاض معركة خلع السندان في 25 يناير ونجح في خلخلته، لكنه ترك المطرقة تهوى فوق رأسه، وعندما قام في 30 يونيو بخوض المعركة مع المطرقة، استغل السندان الفرصة وعاد من جديد ليثبت أقدامه مرة أخرى، وهنا يقع الشعب فريسة دائمة بين المطرقة والسندان، لذلك فعليه هذه المرة أن يخوض معركة مزدوجة مع المطرقة والسندان، مع الإرهاب والفساد، مع نظام المرشد ونظام مبارك، فالمعركة المزدوجة مع الإرهاب والفساد هي الحل لتحقيق مطالب الشعب المصري في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.

وليعلم الجيش المصري وقائده عبد الفتاح السيسي، أن الشعب الذي وقع فريسة بين المطرقة والسندان، لجأ إليكم باعتباركم القوى الوطنية الوحيدة التي يمكنها الإطاحة بالمطرقة والسندان، فلا تخذلوا شعبكم الذي منحكم هذه الثقة، ولا تميلوا ولا تنحازوا للمطرقة أو السندان، فقط يكون انحيازكم للشعب الذي وثق بكم أنتم، وخلفكم الشعب قادرون على مواجهة المطرقة والسندان والإطاحة بهما، وإلا سيكون للشعب رأي آخر، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية