رئيس التحرير
عصام كامل

اللهُ هُوَ مَنْ أَمَرَنَا بِصِنَاَعَة اَلٌتَمَاَثِيل


وصلنا على الإيميل عبر موقعنا على الإنترنت، سؤال من العميد عاهد الجبوري - من العراق - يسأل فيه عن حكم الشرع فيما قامت به جماعة داعش من تحطيم وتدمير لتماثيل قصر النمرود الأثرية بالعراق؟


وللإجابة عن هذا السؤال نقول:
بدايةً بتوفيق من الله وإرشاده، وسعيًا للحق ورضوانه، وطلبا للدعم من رسله وأحبائه، نصلي ونسلم على كليم الله موسى عليه السلام، وكل المحبة لكلمة الله المسيح له المجد في الأعالي، وكل السلام والتسليم على نبي الإسلام محمد ابن عبد الله، أيضا نصلي ونسلم على سائر أنبياء الله لا نفرق بين أحد منهم.. أما بعد

للأسف أن ما يفعله داعش هو نتاج تعاليم خاطئة وردت لنا من بعض كبار فقهائنا ومشايخنا الأوائل، وللأسف سار على نهجهم الكثير من فقهائنا ومشايخنا المعاصرين، فهم لم يدركوا الفرق بين ثلاثة أنواع وهي:
1- الأنصاب  2- الأصنام  3- التماثيل 

فقد خلطوا بينهم في الحكم، رغم وجود فرق كبير بين الثلاثة في الحكم، فالأنصاب حكمها أنها مكروهة، والأصنام التي تُعبَد من دون الله هي محرمة، أما التماثيل فهي مباحة لا حرمة فيها ويستحب صنعها، وندلل على ذلك بآيات القرآن الكريم كما في قوله تعالى عن الأنصاب في سورة المائدة آية 90 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، فالاجتناب هنا للكراهة للأنصاب التي كانوا يذبحون عليها.

وأما قوله تعالى عن الأصنام في سورة الأنعام آية 74 (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)، وفي سورة الشعراء آية 71 قوله تعالى (قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ) وأيضا مثلها أصنام قريش مثل اللاتَ والعزّى ومناةَ التي وردت في سورة النجم (أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى (19)، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأَخْرَى (20)، أَلَكُمُ الذَّكَرُ ولَهُ الْأُنثَى)، فكل هذه أصنام كانت تعبد من دون الله، وكانوا يعتبرونها بذاتها آلهة فتلك محرمة، ولا يختلف أحد على تحريمها حتى من أتباع كل الأديان.

أما النوع الثالث وهو التماثيل التي يصنعها الفنان المبدع الموهوب من الله، كرمز لشخص مقدس أو كإبداع جمالي لخلق الله، فقد أمر أنبياء الله بصناعتها، وطلب منا ربُ العزة أن نشكره على هذا العمل وهذا العلم والصنع الفني الجميل كما ورد في سورة سبأ آية 12 و13 قوله تعالى (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ).

لاحظ قوله يعملون له ما يشاء - أي سيدنا سليمان - من محاريب وتماثيل، ثم يطلب الله منا أن نشكره على هذا الصنع وهذا التعليم بقوله "اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ". 

والكلام واضح لا يحتاج لفًا وتأويلا، وهو ما يعني أن التماثيل التي تُصّنَع للجمال أو كرموز لشخصيات مقدسة ويعلم أتباعها أنها مجرد رموز وليست آلهة حقيقية مثل تماثيل بوذا وتماثيل العذراء مريم وتماثيل قصر النمرود وتماثيل الفراعنة وغيرها، فهي تماثيل لا حرمة فيها، بل أمرنا الله أن نشكره على الموهبة التي أعطاها لنا وعلمها لنا لإبداع مثل هذه التماثيل، ورغم أن الآية واضحة وصريحة، إلا أن الكثير من فقهائنا ومشايخنا القدامى ومن صاروا على نهجهم من المعاصرين، أرادوا تحريم هذه التماثيل، فتركوا الآية وذهبوا إلى مجموعة أحاديث غير صحيحة لانقطاع سندها، مثل حديث ابن عمر منسوب للرسول (عليه أفضل الصلاة والسلام) قوله: "إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّورَةَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ)، وأيضا حديث عبد الله ابن مسعود منسوب للنبي (عليه الصلاة والسلام) قوله: (إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ المصُوِّرُونَ)، أيضا حديث آخر عن السيدة عائشة منسوب للنبي (عليه الصلاة والسلام) قوله: (أشدّ الناس عذابًا الذين يضاهون بخلق الله) أيضا وغيرها حديث منسوب لابن عباس عن النبي (عليه الصلاة والسلام) قوله: (كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفسًا، فتعذبه في جهنم)، أيضا حديث أبي هريرة منسوب للنبي (عليه الصلاة والسلام) قوله: (لا تدخل الملائكة بيتًا فيه تماثيل أو تصاوير)، وحديث منسوب لأبي طلحة عن النبي (عليه الصلاة والسلام) قوله: (لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة)، وغيرها من الأحاديث في هذا الباب، للأسف قد نُسِبَت زورًا للصحابة وللرسول، بدليل انقطاع السند فيها ورغم ورودها في البخاري ومسلم إلا أنها أحاديث غير صحيحة، وتتناقض تمامًا مع نص الآية السابقة من سورة سبأ القاطعة المانعة الواضحة الدلالة بشكل صارخ.

والخلاصة مما سبق:
هي أن ما فعلهُ أتباع داعش من هدم لتماثيل قصر النمرود في العراق، يُعد مخالفًا لشرع الله، وأن هؤلاء الدواعش ومن يسير على نهجهم قد خرجوا عن الملة وكفروا بصحيح شرع الله، واتبعوا شرعًا فاسدًا وهم ملعونون من الله في الدنيا والآخرة.

هذا وعلى الله قصدُ السبيل وابتغاءِ رِضَاه. 

E - rashed_orbit@yahoo.com
http:||www.ahewar.org|m.asp?i=3699
الجريدة الرسمية