رئيس التحرير
عصام كامل

«العربي للبحوث» يحذر من تفاقم أزمة صناعة السكر في مصر.. سياسية التحرر التجاري تغرق السوق المحلي بالمنتج الأجنبي.. تشريد 27 ألف عامل وأكثر من مليون فلاح.. وإصدار قرارات بوقف الاستيراد هو الحل


حذر مركز البيت العربي للبحوث والدراسات، من تفاقم أزمة صناعة السكر في مصر، باعتبارها من أهم الصناعة الإستراتيجية في مصر والعالم.

ويعد محصول قصب السكر، المحصول الرئيس لإنتاج السكر في العالم وتنتج مصر من قطب السكر ما یزید عن ملیون طن سكر سنویا، تمثل نحو ٥٢% من إجمالي إنتاج السكر وتحتل المرتبة الأولى عالمیا في متوسط إنتاجیة وحدة المساحة نحو ٤٩٫٥ طن للفدان.


ویزرع ما یزید عن ٣١١ ألف فدان في محافظات الإنتاج الرئيسية ( قنا – أسوان - الأقصر- سوهاج- المنیا) ويتم تصنيع السكر وإنتاج من 240 – 250 ألف فدان إلا أن تلك الصناعة تتعرض في الوقت الحالي إلى أزمة كبيرة يمكن لها إن تصل بها إلى حافة الانهيار التام.

فرغم من الفجوة الموجودة بين إنتاج السكر المصري وحجم الاستهلاك والتي تصل لنحو ٧٢٠ ألف طن سكر يتم استيرادها من الخارج إلا أن الشركة الأكبر لإنتاج السكر في مصر وهي «شركة السكر للصناعات التكاملية» تتعرض إلى تكدس في مخزون السكر منذ قرابة العام وسط ارتفاع معدلات استيراد السكر ليصل إلى 1.8 مليون طن سنويا.

ويبلغ استهلال الفرد من السكر نحو 43 كجم سنویًا، نتيجة لتزايد الطلب على السكر الناجم عن النمو السكاني المتزايد وتغير العادات والأنماط الاستهلاكية.

احتكار الدولة
وينصب أزمة صناعة السكر في العلاقة غير المتكافئة ما بين احتكار الدولة لتلك الصناعة بشكل تام فلا يوجد في مصر شركات أو مصانع تتبع القطاع الخاص في صناعة السكر وبين سياسات التحرر الاقتصادي التي تتبناها مصر منذ تسعينات القرن الماضي تنفيذا لاتفاقية الجات والاتجاه إلى الأسواق العالمية لتدبير جزء من الاحتياجات المحلية من السكر وبالشروط التي تفرضها تلك الأسواق.

وأكد التقرير الصادر من المركز أن ذلك يمثل عبئا على ميزان المدفوعات فضلا عن زيادة حده المخاطر المرتبطة بتلك الأسواق، بالإضافة إلى المنافسة الشرسة الناتجة عن إغراق السوق المحلي بالسكر الأبيض الوارد من الاتحاد الأوربي والجهات المستوردة بدون جمارك أو ضوابط حاكمة للاستيراد.

ويزداد الوضع تفاقما نتيجة ارتفاع تكلفة صناعة السكر المحلي عن الأسعار العالمية، السياسية الزراعية وأزمة ارتفاع أسعار السكر المحلي.

ويقول مجدي عبد الفتاح مدير المركز في التقرير الصادر أمس، إن جزء من أزمة ارتفاع تكلفة صناعة السكر تكمن في طبيعة ملكية الأراضي الزراعية في مصر والتي تمتاز بتمركز الملكية الزراعية لصغار الفلاحين، مشير إلى أن الفلاحين الذين يملكون فدانا فأقل يشكلون نحو 56.9% من عدد الحيازات في مصر، وحصتهم من الأرض الزراعية نحو 14.8%.

أما مجموع من يملكون خمسة أفدنة فأقل فيبلغ نحو 4 ملايين حائز يشكلون 91% من مجموع عدد الحيازات، ويملكون 52.2% من الأراضي الزراعية في مصر، ويشكل من يملكون عشرة أفدنة فأقل نحو 94.8% من عدد الملاك الزراعيين في مصر، وحصتهم من إجمالي الأراضي الزراعية تبلغ نحو 62.8%.

سياسة الخصخصة
وأكد أن هؤلاء الفلاحون هم المسئولون عن زراعة المحاصيل الإستراتيجية التي تحتاجها مصر، سواء على المستوى الغذائي أو الصناعي مؤكدا أن الدولة منذ أن اتجهت إلى سياسية الخصخصة بشكل عام والاستثمار الزراعي بشكل خاص، استطاعت أن تنجح في إلغاء القيود على القطاع الخاص في مجال إنتاج وتوزيع واستيراد مستلزمات الإنتاج الزراعي والتي تشمل الأسمدة والتقاوي والمبيدات.

تابع: "بالإضافة إلي إلغاء الدعم عن تلك المستلزمات ارتفعت تكاليف الإنتاج في ظل المتغيرات التي واكبت السوق المصرية من تحرير التجارة وفقًا للاتفاقيات الدولية لتحرير التجارة والتي وقعت عليها مصر ( اتفاقية الجات ) والتي بدورها أدت إلى تحرير تجارة وأسعار مستلزمات الإنتاج من تقاوي وأسمدة وكيماويات ومبيدات، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الإيجارات للأراضي الزراعية الوضع الذي دفع إلى ارتفاع معدل تكلفة زراعة قصب السكر في مصر.

ويشير التقرير إلى تمركز زراعة قصب السكر في صعيد مصر، حيث تتناسب طبيعة البيئة هناك لزراعة هذا المحصول لما يحتاجه من كميات مياه كبيرة لزراعته لكن برغم مما أعلنته الدولة من ارتفاع سعر التعاقد شراء قطب السكر من الفلاح هذا العام ليبلغ 398،75 جنيها للطن بدلا من 360 في العام الماضي.

وأكد أن تلك القيمة لا تؤدي إلى تحقيق ربحية حقيقية للفلاح وبحساب قيمة تكلفة الزراعة التي تشمل التقاوي والأسمدة وعمال الزراعة والحصاد والنقل التي يتحملها الفلاح والتي تبلغ 15 ألف جنيه للفدان الواحد حيث تتراوح إنتاجية الفدان ما بين ( 45 – 50 طنا ) وبحساب قيمة سعر بيع الفدان بحسب الزيادة التي أقرتها الدولة هذا العام نجد أن سعر البيع يصل 17946 جنيها في أفضل إنتاجية للفدان أي أن هامش الربح الذي يحصل عليه الفلاح هو 2946 جنيها للفدان بما يعادل 17% من قيمة سعره.

هامش ربح لا يكفي الفلاح
وقال: "مع طبيعة زراعة قصب السكر والذي يمتاز بالأمد الطويل، حيث تبلغ دور زراعته 4 أعوام متواصلة ويتم الحصاد مرة واحدة في العام، نجد أن هامش الربح الذي يحققه الفدان للفلاح لا يكفي للعيش على حد الكفاف برغم من المتغير الذي يحدث في تكلفة زراعة الفدان خلال الأربع أعوام عمر محصول القصب بالأرض، حيث تنخفض تكلفة زراعة الفدان في العام التالي إلى 10 الآلاف جنيه، إلا أنه يوازي ذلك انخفاض في قيمة إنتاجية الفدان ليصل هامش الربح في العام الثاني والثالث إلى 20% وينخفض في نهاية موسم الزراعة في العام الرابع إلى ما يقرب من 10%.

وأشار إلى أن ما يزيد من الأمر تعقيدا هو طبيعة التعاقد الذي حددت الدولة هذا العام حيث تتحمل شركة السكر للصناعات التكاملية ما يقرب من 300 جنيه من سعر طن القصب، بينما تتحمل وزارة المالية 100 جنيه ونتيجة تكدس منتج السكر في مخازن الشركة لم تستطيع الشركة تسديد قيمة محصول عصر القصب هذا العام، والذي يبدأ في منتصف شهر ديسمبر وينتهي مع بداية مارس فلم تسدد الشركة سوى 50% من قيمة المحصول لتصل قيمة مديونية الدولة لصغار الفلاحين مليار و200 مليون جنيه عن العام الحالي.

وأكد أن هذا الأمر يزيد من حدة أزمة مزارعي قصب السكر وسط استغلال التجار المسئولين عن شراء باقي محصول القصب من الفلاح بعد أن تحصل الشركة احتياجها من قصب السكر ليذهب الباقي إلى صناعة العسل الأسود، وعصارات القصب بالمحافظات المختلفة الوضع الذي يهدد حياة ما يقرب من مليون و200 ألف عامل زراعي في مجال زراعة قصب السكر.

أزمة صناعة السكر المحلي
منذ أن بدأت مصر في صناعة السكر بالعصر الحديث أنشأت شركة السكر والصناعات التكامليـــة المصرية في 3 مايو 1956 بمقتضى القانون رقم 196 لسنة 1956 وهي شركة مساهمة مصرية تابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية خاضعة لأحكام القانون رقم 203 لسنة 91 لإنتاج كافة أنواع السكر المبلور والمولاس والعسل الصناعى الكحول بجميع مشتقاته والخل وحامض الخليك الثلجى وخميرة الأعلاف وغاز ثانى أكسيد الكربون.

كما تنتج أيضا الفيناس المذيبات العضوية والمواد اللاصقة وكبريتات الصوديوم وخميرة الخبز الطازجة والجافة والعطور ومستحضرات التجميل والزيوت والعجائن العطرية ومكسبات الطعم والرائحة الخشب الصناعي بأنواعه المختلفة والمعدات الرأسمالية وقطع غيارها أعمال الهندسة للمشروعات وإدارتها والإشراف على تنفيذ مقاولات إنشاء مصانع السكر والصناعات الأخرى محليًا وعالميًا، الحلوى والبسكويت والطحينة والحلاوة الطحينية والعجائن الغذائية والمربات والعصائر وأعمال الطباعة.

وأيضا إنتاج مخصبات زراعية وأسمدة كيماوية ومخصبات ورقية وإنتاج علف حيوانى، تمتلك 6 مصانع رئيسية بصعيد مصر نجع حمادي، دشنا، قوص، إدفو، أرمنت، كوم أمبو يعمل بها ما يقرب من 27 ألف عامل ما بين عمالة رئيسية وإعمال معاونة وعمال غير منتظمة يتم توريدها لمصانع عبر وكلاء، وتنتج الشكر ما بين مليون إلى مليون ونصف طن سنويا، من قطب السكر ويتطلب هذا الإنتاج استخدام ما بين 240 – 250 ألف فدان من قصب السكر.

وفي الآونة الأخير تم نقل تابعية الشركة من وزارة الاستثمار إلى وزارة التموين وتحتك الأخيرة كافة إنتاج الشركة من السكر لتوفير استهلاك المواطنين عبر البطاقات التموينية، إلا أن وزارة التموين منذ تغير النظم التموينية فيما يقرب من العام لم تستخدم منتج السكر من القصب بسبب تنافس السكر المستورد لإنتاج السكر، بسبب رخص ثمنه فيبلغ سعر طن السكر المستورد 3800 جنيه مصري، بينما يبلغ طن السكر المصري 4200 جنيه خام، والمرافقة الأكبر في أنه يتم استيراد السكر الخام من الخارج ليتم تكريره في مصانع الشركة قبل طرحه في الأسواق المحلية.

ونتيجة احتكار وزارة التموين لتصريف منتج الشركة من السكر لا تستطيع الشركة تصريف منتجها في معزل عن الوزارة نتيجة ارتفاع تكلفة النقل إلى المحافظات المختلفة ومطالبة شركات النقل للشركة بتوفير الحماية الأمنية أثناء عملية النقل ما أدي إلى تكدس المخزون السكر بمخازن الشركة الأمر الذي يعني كارثة كبيرة، حيث إن مساحة التخزين بالشركة لا تكفي لتحمل تخزين هذا الكم الهائل من منتج السكر إلى جانب ضعف تأمين تلك المخازن فهي بالأساس مكشوفة دون أسقف للحماية من الأمطار إلى جانب أن السكر سريع الاشتعال، ما يعني تعرض المخزون للهلاك الوضع الذي سيؤدي إلى خسائر مالية فادحة تتحملها الخزانة العامة للدولة تتجاوز 10 مليارات جنيه.

ومع بداية الموسم الجديد أجبرت الشركة على السحب من البنوك على المكشوف لسداد جزء من مستحقات الفلاحين الأمر الذي يهدد الشركة بالانهيار إذا استمر الوضع على ما هو عليه، ووسط الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد في الآونة الأخير فصناعة السكر في مصر برغم من كونها صناعة إستراتيجية مهددة بالانهيار.

وهذا الأمر يعني تشريد أكثر من 27 ألف عامل، ومليون و200 ألف فلاح يعتمدون على زراعة قصب السكر والذي يزيد من الأمر تعقيدا، هو أن هذا العدد الكبير من المواطنين يعيشون بالأساس بصعيد مصر الذي يعاني من الفقر والفقر المتقع وسط غياب تنمية حقيقية بصعيد مصر ما يجعلهم قنبلة موقوتة من العنف المجتمعي نتيجة انضمامهم إلى صفوف البطالة.

ومع سياسية التحرر التجاري وغياب تقنيين عملية استيراد السكر سيؤدي هذا الوضع إلى إغراق السوق المحلي بالسكر المستورد وسط غياب المحلي، ونتيجة فوضوية السوق وعدم وجود رقابة حقيقية على الأسواق سيندفع الأمر إلى ارتفاع سعر السكر بشكل كبير ما يهدد الأوضاع الاقتصادية للمواطن المصري وتحمله المزيد من الأعباء.

فالأمر الآن يتطلب إصدار قرارات واضحة بوقف استيراد السكر والعمل على رفع إنتاجية الفدان للحفاظ على تلك الصناعة الإستراتيجية للبلاد.
الجريدة الرسمية