رئيس التحرير
عصام كامل

أمين «البحوث الإسلامية»: خاطبوا الشباب الآن عبر «فيس بوك» وليس المساجد


  • التجديد يبدأ بمعرفة كيف يتم تضليل عقول الشباب من الجامعات التكفيرية
  • البعض يتعسف في قراءة النصوص ويحرفها ويبحث فقط عن ما يخدم توجهه
  • الأزهر لم يتراجع دوره ومن يدعي ذلك يحتاج لمراجعة
  • الحلول الأمنية لا تكفي لتهدئة الأجواء وتضافر أجهزة الدولة ضروري
  • الإسلام والمسيحية بينهما من القواسم المشتركة الكثير
  • الإسلام كفل حرية العقيدة للجميع
  • بيت العائلة يقرب المسافات بين المسلمين والمسيحيين
  • بعض الجماعات تستغل الأحداث لإشعال نار الفتنة بين الجانبين
  • على الأزهر والكنيسة دور هام في نشر الثقافة والتوعية في المجتمع
  • تجديد الخطاب الديني يتم من خلال طرح قضايا معاصرة
  • الإرهاب لا يفرق بين مسلم ومسيحي
  • لا بد من اختراق عالم الشباب
  • الرئيس عبد الفتاح السيسي ضرب أروع الأمثلة في المواطنة

"مصر بلد يسع الجميع".. عبارة كنا ندرسها قديما، لكنها أصبحت حبرا على ورق في الفترة الأخيرة، واستغلال بعض الجماعات للأحداث لإشعال نار الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، الذين نسوا أن عدوهم واحد وأنهم يعيشون على أرض واحدة، وأن هناك من مساحات التلاقي الكثير التي يمكن استغلالها ليتعايش الطرفان في أمن وسلام.

من هذا المنطلق عملت "فيتو" على إظهار القواسم المشتركة ما بين المسلمين والمسيحيين، وحاورت الدكتور "محيى الدين عفيفي"، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، ومقرر لجنة الخطابة ببيت العائلة المصري، الذي أكد على أن مساحات التلاقي بين الطرفين كثيرة ويمكن تفعيلها، ليعيشا في جو يسودة الحب والسلام، ولينتبه الجميع إلى أننا نواجه عدوا واحدا لا يفرق بين مسلم ومسيحي.


*أولا: ما هى أهم القواسم المشتركة بين المسلمين والمسيحيين؟
الإسلام والمسيحية دياناتان سماويتان، وبينهما من المشتركات الإنسانية الكثير، فالإسلام كفل حرية العقيدة، والله عز وجل قال في قرآنه الكريم: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"، والله سبحانه وتعالى شاء أن يخلق الناس مختلفين في العقائد والمعتقدات الفكرية، ولو أراد الله أن يخلق الناس على نسق واحد لفعل، لكن شاء أن يكون هناك اختلاف بين الناس، ولا يعتبر هذا الاختلاف اختلاف تضاد إنما هو اختلاف تنوع، إذن فحرية العقيدة وحرية الفكر، مكفولة للجميع وبالتالى نحن لدينا من المشتركات الإنسانية الكثير والكثير.

*أعطنا أمثلة على تلك القواسم؟
على سبيل المثال، الإسلام يوجد به قيم الرحمة والمحبة، واحترام إنسانية الإنسان وحق الإنسان في الحياة، وحقه في التفكير والمشاعر الإنسانية الموجودة في قلوب البشر، فتلك القيم موجودة في الإسلام والمسيحية، والله عز وجل قال: "ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم في البر والبحر"، إذن التكريم في الإسلام ليس لدين الإسلام، إنما لإنسانية الإنسان، فالإنسان مكرم لأنه إنسان بغض النظر عن عقيدته.

*كيف يتم تفعيل تلك القواسم على أرض الواقع؟
يتم تفعيلها من خلال احترام العقائد، فلا مجال للحديث عن العقائد، لأنها أمر موكل إلى الله سبحانه وتعالى، فيجب علينا عدم التحدث عن هذا الأمر إطلاقا، ففى بيت العائلة المصرى مثلا، هذه المسائل مفروغ منها ولا يتم الحديث عنها، فكل إنسان حر في أن يعتنق عقيدته ويقيم شعائر دينية، ومن ثم نعمل على إحياء القواسم الإنسانية، وكل ما يحترم إنسانية الإنسان، نعمل من خلال التعاون المشترك بين المسلمين والمسحيين.

* ما هو دور الأزهر والكنيسة في تفعيل تلك القواسم؟
هناك ما يسمى ببيت العائلة المصري، الذي يترأسه الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، بالتناوب مع قداسة البابا تواضروس، ويوجد به العديد من اللجان، مثل لجنة الخطابة، التي أشرف أن أكون مقررا لها، بالإضافة إلى عدد من اللجان الأخرى مثل التعليم والأسرة، والإعلام والشباب والمرأة والرصد والمتابعة، ولجنة الخطاب الديني تعتبر من أنشط اللجان الفعالة، فيتم عمل دورات كل ثلاثة أشهر، ويتم اللقاء بين 30 من مشايخ الأزهر، مع 30 قسا من الكنيسة المصرية بعموم طوائفها، وبالتالي يتم طرح موضوعات تهم كلا الجانبين، مثل المواطنة والإلحاد، بالإضافة إلى تنظيم زيارات ميدانية إلى المدارس والمساجد والكنائس، وهناك برنامج تعايش يتم تنظيمه لمدة ثلاثة أيام، وهذا أوجد نوعا من التفاهم بين الوعاظ والقساوسة، وهذا ينعكس إيجابا على سلوك المسلمين والمسحيين.

* من وجهة نظرك هل يوجد بعض الجماعات التي تستغل بعض المواقف لإشعال الفتنة بين المسلمين والمسحيين؟
بالتأكيد هذا يحدث، وإذا رجعنا بالذاكرة إلى الوراء، نجد أن المواقف التي أشعلت الفتنة جاءت نتيجة تصرفات فردية، مثل شاب يحب فتاة مسيحية، أو العكس، أو كتابة بعض العبارات المسيئة على جدران بعض الكنائس أو المساجد، وهناك بعض الجامعات المتطرفة التي تلعب على تلك الأحدث لتشعل الفتنة بين المسلمين والمسيحيين.

* هل بيت العائلة المصرى عمل على إزالة أي خلافات بسبب تلك الأحداث؟
طبعا التلاقى في بيت العائلة وفى الدورات التي ينظمها بالتعاون بين الجانبين عمل على تخفيف بل وإزالة حالات الاحتقان، وأعطى نوعا من الشعور الوطنى، وكل إنسان تفهم رؤية الآخر له، فالإسلام يحترم التعددية الدينية والتعددية الفكرية، وأن المولى عز وجل يقول: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى لتعارفوا"، وأصل التعارف، يكمن في التعارف والتعاون بين الناس.

* بعيدا عن دور بيت العائلة المصري كيف ترى دور الأزهر والكنيسة في إخماد نار الفتنة التي يعمل البعض على إشعالها في بعض الأوقات؟
مهم جدا دور المؤسسات الدينية سواء من خلال الأزهر الشريف أو الكنيسة المصرية، وأهمها الدور التوعوي الذي يكون في المساجد أو الكنائس وفى مواقع التلاقي بين الجانبين سواء في المدارس أو الشركات مثلا، أو في الجامعة، من خلال عمل توعية مجتمعية، فيكون هناك وضوح ونوع من الطرح للقضايا الدينية، فهذا يؤدي ثماره في تلك النقطة.

* هل ترى أننا في حاجة إلى تجديد الخطاب الدينى في تلك الفترة؟ وكيف يتم ذلك؟
نحن بحاجة أكيدة إلى تجديد الخطاب الديني، ويأتى ذلك من خلال طرح القضايا المعاصرة والتي تهم المجتمع، والتي تهم الشباب خاصة، ولا بد من اختراق عقول الشباب، ومعرفة كيف يتم تضليل بعضهم من قبل الجامعات التكفيرية، والإرهابية، فهذا يعتبر من أهم عوامل التجديد.

* كيف يتم مخاطبة الشباب بالطريقة الصحيحة؟
حينما يجرى حوار مجتمعى مع الشباب، ويتم طرح قضايا جديدة غير نمطية وغير تقليدية، فهذا يعد نوعا من التجديد، فلا بد من مخاطبة الشباب من خلال وسائل حديثة، فالشباب لا يحتاجون إلى كلام كثير وإنما يحتاجون إلى رسائل قصيرة، وباللغة التي يفهمونها، فحينما يتم التواصل مع الشباب ليس من خلال الوسائل النمطية، المتمثلة في المساجد والمحاضرات، بل لا بد من تفعيل بعض الوسائل الحديثة مثل وسائل التواصل الاجتماعى، والمواقع الإلكترونية، فلا بد من اختراق عالم هؤلاء الشباب، حتى نستطيع تجديد الخطاب الديني، ويتم تصحيح بعض الأفكار المغلوطة عن البعض منهم.

* هل تجديد الخطاب الديني يقتصر على تغيير الموضوعات التي يتم طرحها فقط؟
لا يجب أن يقتصر تجديد الخطاب الدينى على الموضوعات التي يتم طرحها فقط، وإنما لا بد من تأهيل الدعاة أيضا، حتى يكونوا على درجة عالية من الفهم والاستيعاب للرسالة التي يؤدونها.

* هل ترى أن الأقباط في مصر يشعرون أنهم في عزلة عن بقية المجتمع في الفترة الأخيرة؟
لا أعتقد ذلك لأننا جميعا نعيش في خندق واحد، فالإرهاب الذي تواجهه مصر، لا يقتصر على الإخوة الأقباط فقط، بل هو موجه إلى كل مصرى، والأحداث الأخيرة التي نشهدها تؤكد ذلك، فمن يقوم بزرع عبوة ناسفة أو ما إلى ذلك لا يفرق بين مسلم ومسيحي، بالتالى هم ليسوا في عزلة فجميعنا في خندق واحد، الهموم واحدة ومشتركة، وغايتنا واحدة، وهى الدفاع عن مصر.

* الوطن مكان يسع الجميع بغض النظر عن المعتقدات والأديان، كيف يتجلى ذلك في الدين الإسلامي؟
يتجلى ذلك من خلال الرؤية الإسلامية، فالله سبحانه وتعالى خلق الناس جميعا ليتعارفوا ويتآلفوا فيما بينهم، وقد جسد النبى "صلى الله علية وسلم" هذا منذ قديم الزمن من خلال وثيقة المدينة بينه وبين الكفار في ذلك الوقت، ومن خلال التعايش معهم على أرض المدينة المنورة، وبعد ذلك على مر عصور الدول الإسلامية التي جاءت بعد ذلك.

* التسامح قاسم مشترك بين الإسلام والمسيحية، من وجهة نظرك ما سر غياب هذا التسامح في الفترة الأخيرة؟
يرجع ذلك بسبب انتشار الفكر المتشدد، وبسبب الجهل، وعدم المعرفة، وبسبب الأجندات السياسية، فالبعض يستغل النصوص، ليتعسف في قراءتها، ويحرفها ويبحث فقط عن ما يخدم توجهه، بطريقة مجزأة ومبتورة، غير موضوعية أو منهجية، وهذا لا يأتى من إنسان لديه أفق واسع، بل يأتى من إنسان يتصف بالجهل وعدم العلم، ونقص المعرفة والانعزال.

* هل ترى أن الأزهر تراجع دوره في الفترة الأخيرة كمركز أساسي لنشر الوسطية والتسامح الديني؟
لا أرى أن الأزهر تراجع دوره، ومن يقول بهذا الكلام يحتاج إلى تمحيص أكثر ومراجعة، فمن يراجع دور الأزهر في الفترة الأخيرة، خاصة الفترة ما بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو الحافلة بالأحداث، يجده كان حاضرا، والدليل على ذلك وثائق الأزهر، واحتضان المشيخة للمفكرين والمبدعين والسياسيين، وفتح الحوار الوطني في كثير من الموضوعات، ووجود الأزهر الشريف في الساحة، فالأزهر من خلال مجمع البحوث الإسلامية، يقوم بالتوعية، والمحاضرات الثقافية والقوافل التوعوية، والندوات، كما عقد مؤتمر "دور الأزهر الشريف في مواجهة الإرهاب" في نهاية عام 2014، والذي تناول العديد من القضايا المهمة والشائكة، فدور الأزهر لم يتراجع ولكن الأحداث متسارعة ومتشابكة للغاية، فلا بد أن نسلم لذلك.

* الحوار عنصر هام لحل الخلافات بين الجميع، فكيف يتم تفعيل هذا الحوار في تدعيم القواسم المشتركة بين المسلمين والمسحيين؟
الحوار هو الأساس فلا بد من الحوار المجتمعي والحوار مع الشباب، وذلك لأن الفكر لا يواجه إلا بالفكر، والحلول الأمنية غير كافية لتهدئة الأجواء، لا بد من تضافر وتعاون جميع أجهزة الدولة، من الأزهر والكنيسة ووزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، والشباب والرياضة، والمفكرين والمثقفين والمبدعين في كافة المجالات، من أجل تحاور مثمر بين أبناء الوطن الواحد.

* ما هو دور الإعلام في تفعيل ذلك الحوار وفي مواجهة الإرهاب؟
الإعلام عليه دور كبير، في ذلك فعليه أن يتبنى سياسة الدولة، في مواجهة الإرهاب ولا يكون بعيدا عن هذا المشهد، ولا ينشغل في أمور لا تخدم المصلحة العليا للوطن.

* ما هو دور القيادة السياسية في تدعيم المواطنة بين المسلمين والمسيحيين؟
طبعا، الرئيس عبد الفتاح السيسي ضرب أروع الأمثلة في الوطنية، وذلك بعد جريمة ذبح 21 مصريا من الإخوة الأقباط، على يد تنظيم "داعش" الإرهابى، وما ورد على لسان الرئيس بأنه كان لا يستطيع أن يقدم واجب العزاء في شهداء الوطن، قبل أن تثأر القوات المسلحة والنسور الجوية، بالضربة القاصمة، لمواقع داعش في ليبيا، فهذا يجسد الروح الوطنية، وأن القيادة السياسية تدرك أن النسيج الوطني واحد لا يتجزأ.
الجريدة الرسمية