رئيس التحرير
عصام كامل

13 خدعة تحسم «حرب أكتوبر»


«من أخلاق الملوك المكايدة في الحروب، وأسعد الملوك من غلب عدوه بالحيلة والمكر والخديعة».. إستراتيجية تاريخية تلاعب المصريين من خلالها بأعصاب الإسرائيليين، عبر سلسلة خطط تمويه عن عجز الجيش المصرى عن خوض حرب لتحرير سيناء، لتمر أيام محدودة وتحدث المعجزة.


المخابرات المصرية وضعت خطة «أوجعت الإسرائيليين» تمثلت في عدد من المحاور المختلفة، بدأت بـ«المخزون الإستراتيجى للقمح» إذا دخلت القاهرة في معركة طويلة ضد الكيان الصهيوني.

قبل أن تُدق طبول الحرب على الجبهة الشرقية لقناة السويس، أطلقت المخابرات شائعة نفاذ محصول القمح بسبب هطول أمطار أفسدت المحصول في الأراضى الرزاعية وشون التخزين، وتحول الأمر إلى قضية رأى عام، وكأن مصر بدت دون أي مخزون إستراتيجى من القمح.

على الفور، توجهت مصر لاستيراد كميات كبيرة من القمح لتغطية احتياجات المواطنين، وبهذه الحيلة أصبحت لديها كمية تكفى لمعركة طويلة مع إسرائيل، بعد أن حصلت على هذه الدفعات من روسيا.

أما «المحور الثاني» فتم تخصيصه للمستشفيات، إذ كان يجب إخلاء أكبر عددٍ من المستشفيات تحسبًا لحالة الطوارئ ومعالجة مصابى الحرب، حينها تم تعيين مديرًا جديدًا لمستشفى الدمرداش «ذى خلفية استخباراتية»، وبعد توليه مهام العمل بأيام، أعلن وجود فيروس «التيتانوس» بالمستشفى ليسارع بإخلاء المستشفى لتعقيمه، والقضاء على الفيروس.

في صباح اليوم التالي، نشرت صحيفة الأهرام الخبر على صدر صفحتها الأولى، وفى التفاصيل إشارة إلى مخاوف من احتمالية انتقال المرض إلى مستشفيات أخرى، وبالفعل تم إخلاء عددٍ كبيرٍ من المستشفيات، ولم يأت الأول من أكتوبر 1973 حتى استطاعت المخابرات إخلاء العدد المطلوب من المستشفيات، وفقًا لخطة الحرب.

«المحور الثالث» تمثل في أهمية توفير بطاريات للإضاءة، فكان من المهم أن تستورد القاهرة كميات كبيرة من البطاريات دون لفت انتباه إسرائيل، فقام أحد ضباط المخابرات بالتنسيق مع تاجر بطاريات سيارات لتهريب كمية كبيرة من البطاريات والمصابيح الكهربائية لتهريبها إلى مصر، وفور وصولها كان رجال المخابرات وحرس الحدود في انتظاره، وتم عرضه بالمجمعات الاستهلاكية في ذلك الوقت.

بهذا الإجراء الذي أقدم عليه جهاز المخابرات المصري، تلافت البلاد تبعات نقص الإضاءة، خلال فترة الحرب، هذه المحاور الثلاثة دعمت الجبهة الداخلية لمصر في فترة الحرب، فضلًا عن إمداد رفعت الجمال «رأفت الهجان» و«أشرف مروان» مصر بمعلومات دقيقة عن إسرائيل.

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل كان ضروريًا وضع خطة لنقل المعدات الثقيلة إلى الجبهة، وبالفعل تم نقل ورش الصيانة إلى الخطوط الأمامية بالجبهة، والدفع بالدبابات إلى هناك لإجراء الصيانة لها، وهو ما فسرته إسرائيل على ضعف كفاءة دبابات الجيش المصري، ومع بداية الحرب عبرت الدبابات إلى الجبهة.

سربت المخابرات كذلك تقريرًا حول توصية خبراء بضرورة الحصول على قوارب مطاطية، ما أثار سخرية إسرائيل، وما إن وصلت الشحنة ميناء الإسكندرية حتى ظلت مهملة على رصيف الميناء، الأمر الذي أعطى للإسرائيليين إيحاءً بأن القاهرة تعلم عدم أهمية القواب المطاطية، خصوصًا مع امتلاك تل أبيت أسلحة بحرية متطورة.

بالفعل تم نقل الشحنة إلى صحراء مدينة حلوان في جنوب القاهرة، فيما كانت سيارات عسكرية تنقل نصف الشحنة إلى الجبهة، وساهمت في عبور 30 ألف جندى في 2500 مركب مطاطي.

كما نجح رجال المخابرات في إقامة عددٍ من الخيام المتهالكة قرب خط بارليف، ووضعت عليها لافتة «المؤسسة المصرية لاستصلاح الأراضي»، وبالفعل وقع العدو في خديعة المخابرات المصرية.

وفيما يتعلق بموعد الحرب فكانت إسرائيل منشغلة بالانتخابات البرلمانية وعيد الغفران، بينما كان الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون منشغلًا بفضيحة «ووتر جيت»، بالإضافة إلى الإعلان عن زيارة قائد القوات الجوية محمد حسنى مبارك إلى ليبيا يوم 5 أكتوبر، ثم الإعلان عن تأجيلها إلى عصر يوم 6 أكتوبر، فيما كانت 22 طائرة مصرية تغادر القواعد المصرية لدك المواقع الإسرائيلية بسيناء، بالإضافة إلى توجيه وزير الدفاع المصرى دعوة إلى نظيره الرومانى لزيارة القاهرة في 7 أكتوبر 1973.

في كتابه البحث عن الذات، قال الرئيس الراحل أنور السادات «يوم 30 سبتمبر 1973 جمعت مجلس الأمن القومي، وطلبت من الأعضاء رأيهم في الوضع الذي كنا فيه وتناقشنا طويلا.. طالب البعض بالمعركة وتردد البعض الأخر.. قال وزير التموين إن التموين الموجود لا يكفى لمعركة طويلة.. وبعد أن تحدث الجميع عن المعركة وظروف البلد والتحرك قلت لهم: كل واحد منكم قال كلمته.. طيب أنا عايز أقولكم إن اقتصادنا النهاردة في مرحلة الصفر، وعلينا التزامات آخر السنة لن نستطيع الوفاء بها للبنوك، وعندما تأتى سنة 1974 بعد شهرين لن يكون عندنا رغيف الخبز للمواطنين، ولا أستطيع أن أطلب من أي عربى دولارًا واحدًا لأن العرب يقولون لنا إحنا بندفع الدعم بتاع قناة السويس وخلاص (لأن القناة مغلقة من عام 1967).. ولا فيه حرب ولا حاجة».

في كتابه «العمليات الحربية على الجبهة المصرية» تحدث المؤرخ العسكري المصرى جمال حماد عن استعدادات الحرب، قائلا: «إن الظروف التي خلقتها مشكلة عبور قناة السويس فرضت على القيادة العامة المصرية ضرورة ابتكار شدة ميدانية تستطيع أن تستوعب جميع أحمال جندى المشاة بطريقة جيدة بعد أن ثبت أن الشدة الميدانية التي كان معمولا بها في القوات المسلحة وقتئذ أصبحت لا تتناسب مع الظروف الجديدة».

وأضاف: «قامت إدارة المهمات بتجارب عديدة حول هذا الموضوع إلى أن توصلت إلى العينات المطلوبة، وقبل نهاية أكتوبر 1972 كان قد تم تشغيل 50 ألف شدة ميدانية من هذه الأنواع الجديدة، كما غيرت إدارة المهمات زمزمية المياه التي يحملها جنود العبور لتصبح سعة 2.5 لتر بدلا من القديمة التي كانت تسع ثلاثة أرباع لتر ماء، حتى يكون مع الجندى ما يكفيه من المياه ليوم كامل».

نظرًا للأحمال الثقيلة التي أصبح جندى العبور مكلفًا بحملها، تم تزويد المشاة بعربات جر يدوية يمكن جرها لمسافة 5 كيلو مترات بواسطة فردين بعد تحميلها بنحو 150 كيلو جرامًا من الذخائر والمعدات العسكرية عبر أرض غير ممهدة.

علاوة على ذلك، تم تجهيز جندى المشاة بالكثير من المعدات الحديثة ففى منتصف عام 1972 كان قد تم تجهيز جميع وحدات المشاة بأجهزة الرؤية الليلية ـ كان بعضها يعمل بنظرية الأشعة تحت الحمراء، وكان البعض الآخر يعمل بنظرية تقوية وتكبير ضوء النجوم ـ وإلى جانب هذه الأجهزة الحديثة كان هناك أجهزة ومعدات بدائية بسيطة مثل النظارات السوداء المعتمة التي كانت تصنع من زجاج سميك معتم من الزجاج الذي يستخدمه عمال لحام الأكسجين وذلك حتى يلبسها الجنود عندما يستخدم العدو أشعة زينون البالغة القوة لتعميتهم، وكان العدو يستخدم الضوء الباهر المركب على دباباته في شل أبصار جنودنا فكان الرد على ذلك هو أن يلبس الجندى هذه النظارة ثم يوجه قذيفته إلى مصدر الضوء فيدمره.

ومن ضمن الأجهزة البسيطة سلم الحبال، وهو يشبه السلالم المستخدمة في الوحدات البحرية وأجنابه مصنوعة من الحبال لكن درجاته من الخشب يسهل طيه وحمله ثم فرده على الساتر الترابي، وبذلك يستطيع جندى المشاة أن يتسلق الساتر الترابى دون أن تغوص قدماه في التراب، كما أنه بوضع سلمين متجاورين يمكن أن نجر مدافعنا «المدفع عديم الارتداد ب 10، والمدفع عديم الارتداد ب 11، والصاروخ المالوتكا، والقاذف آر بى جي، والصاورخ المضاد للطائرات ستريلا (سام 7)، ومدفع الماكينة المتوسطة 7.62 مم، ومدفع الماكينة الثقيلة 12.7 مم، وكذلك عربات الجر التي ترافق المشاة، ويمكن أن تسير فوق هذا الساتر الترابى دون أن تغوص عجلاتها في الرمال».
الجريدة الرسمية