الإعلام وتكريس الصورة السلبية عن المرأة
شكلت الصورة السلبية المأخوذة عن المرأة في الإعلام، واحدة من أبرز القضايا التي شغلت حيزا كبيرا من اهتمامات المفكرين والباحثين في الشئون النسوية، بعد ما أخذت منحنى خطيرا في ضوء ما تقوم به وسائل الإعلام من تشويه للمرأة - بقصد أو بدون قصد - وإبرازها بشكل سلبي يوضح بما لا يدع مجالا للشك، وجود قصور في السياسات الإعلامية ناتج عن عدم إدراك القائمين عليه للحقيقة التي تؤكد أن استقرار المجتمع والتنمية الاقتصادية والبشرية يستلزم عدم عزل المرأة وتهميشها، بل ينبغي الإيمان بأن لها دورًا يجب تقديره وتعزيزه من خلال منحها فرصة المشاركة في كافة المجالات دون تمييز، وضرورة التغلب على تابوهات العادات والتقاليد التي تشكل في أحيان كثيرة عائقًا أمام قيامها بأداء رسالتها كعنصر فاعل في محيطها الإنساني.
انتشار المفاهيم والممارسات المغلوطة التي تنظر للمرأة نظرة احتقار ودونية، استنادًا على قراءات خاطئة للنصوص الدينية والعقائدية من ناحية ومن ناحية أخرى العولمة المتوحشة التي تعاملت مع المرأة باعتبارها سلعة للإغراء والجنس، أكثر من كونها إنسانة قادرة على التفكير والإبداع وتحقيق الإنجازات، خلق فجوة بين واقع المرأة الفعلي وما يتم تداوله عنها من معلومات وحقائق في الإعلام والدراما التي دأبت على تناول قضايا المرأة الهامشية وإهمال قضاياها الأساسية، وتقديمها في أدوار تقليدية تحجب أدوارها المستحدثة التي تظهر كفاءتها ومهارتها في الجمع بين أداء دورها كزوجة وأم وامرأة عاملة بنجاح مبهر.
الحقيقة أن ما يقدم عن المرأة في الإعلام هو بمثابة مرآة عاكسة لحضارة المجتمع، وأن الصورة التي تقدم بها المرأة ما هي إلا تعبير عن اتجاهات أفراد المجتمع والعلاقات التفاعلية بداخله، لذا من الضروري إعادة النظر فيما يقدم عن المرأة في مجتمعاتنا، هذا إن كنا جادين في رغبة النهوض بمستوى نسائنا ومساعدتهن في توظيف مهارتهن التوظيف الأمثل بما يخدم مجتمعاتهن وبيئتهن.
إن إصلاح صورة المرأة في وسائل الإعلام، يستلزم طرح حلول غير تقليدية تحدث تغيرًا في منظومة القيم والموروثات التي تتجاهل كينونة المرأة، وتنظر إليها كتابع ينبغي أن يظل متواريًا خلف أطر اجتماعية معدة سلفًا، كما يتطلب الإصلاح برامج جادة تساهم في تشكيل وعي ثقافي جديد يبدد النظرة السلبية حيال المرأة ويؤسس لأسلوب متحضر يضمن التعامل السوي مع قضاياها، وبلورة رأي عام مساند لحقوقها من خلال مواد إعلامية تضع صورتها في سياقها الصحيح بعيدًا عن المبالغات والإثارة والتضخيم.. مع الوضع في الاعتبار أن تغيير هذه الصورة لن يحدث بين عشية وضحاها، ولن تتغير نتيجة جهود فردية بل سيأتي التغيير عندما يكون هناك عمل متكامل بين كافة القطاعات سواء الثقافية أو التعليمية، بالإضافة للمؤسسات الدينية التي لها الدور الأكبر في التوعية بدور المرأة في البناء والتطور المجتمعي، كما نحتاج إلى توفير بنية معنوية ومادية تحقق تقدما متوازنا وموضوعيا للمرأة بما يحفظ مكانتها ويتناسب مع قدراتها، ويساعدها على التمكين لنفسها من خلال إنشاء آليات تخدم طموحها وتطلعاتها.
awaad99@gmail.com