رئيس التحرير
عصام كامل

غنيمة تائب


لقد وقع الرجل فى أمر عظيم، حين جامع امرأته عامدًا متعمدًا فى نهار رمضان حين غلبته الشهوة فى معركة دارت بساحة نفسه.. وراحت السكرة وبقيت الفكرة وظن الرجل نفسه قد أحاطت به خطيئته ووقع فى حبائل الشيطان الذى راح يندمه كخطوة سابقة على التيئيس من رحمة الله، ليظفر منه بما يريد وليتلاعب به تلاعب الأسماء بالأفعال ..

فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والذى بدوره كصاحب الشريعة بيَن له الترتيب الآتى فى الكفَارة:
(عتق رقبة ثم صوم شهرين متتابعين ثم إطعام ستين مسكينا فلم يستطع الرجل ذلك فأهداه الرسول صلى الله عليه وسلم بعَرَق تمر (زنبيل أو قفة)، ليتصدق به الرجل حتى يعيش فى جو الخلوص من الذنب ويستيقن أنه معزر بالكفارة يهذبه ربه لا يعذبه)!
ولكن الرجل وبعد هذا الفرج وهو يحمل هدية النبى عليه السلام عوناً له على الكفارة يعتذر بشدة فقره وفاقته وحاجته وحاجة عياله لهذا العرق من التمر فيقره رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ويصحب إقراره ابتسامة على وجهه ترتسم معبرة عن الرضا.. بل ربما عن جمال الشريعة وروعتها !!!
لقد عاد الرجل إلى بيته رابحًا فى دينه كفارة الذنب العظيم "بالامتثال والتعظيم للشريعة" كما ربح فى دنياه "مغانم الشريعة ومنافعها"، بالامتثال لها مصيبًا حظه من بركاتها بعدما عاد بعرق تمر وقد كان مليئا بالنغص على ذنبه وهو غادٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا ما جاء فى قول ربنا على لسان أبى البشرية الثانى نوح عليه السلام: "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا مالكم لا ترجون لله وقارا".
الإحساس بواجبنا العملى
ويقترح رفيق السفر دعوة المشايخ والعلماء والدعاة إلى إعادة تفعيل دور المسجد فى القضاء بين الناس بشريعة الله تعالى لا لمجرد إشعارهم بجمالها وبركاتها وقدرتها على اختراق حواجز المشاكل والتوفيق بين الناس فحسب، بل ليعيشوها واقعًا ملموسًا بين أيديهم.
لقد عشت مع رفيقى هذه السفرة محلقًا فى أجواء الشريعة المطهرة وأنا أسأل الله أن يلهمنا الصواب فى الطريق المؤدية إلى تحقيقها على أرض الإسلام وأن يستعملنا لها غير فاتنين ولا مفتونين بشبهات الباطل وشهوات النفس والدنيا.. انتهت سفرتنا بإحساس عميق للشريعة وفكرة جوهرية فى التنفيذ.
الطريق إلى الشريعة من حيث بدأوا
الإحساس بالشريعة يلزمه الإحساس بالطريق ومزالقه وأشواكه وعقباته، ولنتذكر التاريخ وكيف بدأت مراحل إقصاء الشريعة على يد الماسونى الكافر نابليون بونابرت عندما أنشأ محكمة القضايا وجعلها للتجار والمواريث ونصَب عليها قبطيا كرئيسا لـ 24 تاجرا نصفهم مسلمين ونصفهم نصارى وجعل لها فروعًا فى دمياط ورشيد والإسكندرية ثم تتابعت الأدوار على يد مينو ومحمد على 1806 وسعيد باشا 1856 ونوبار باشا الذى اقترح مشروع المحاكم المختلطة 1870 والتى استمدت قوانينها من القانون الفرنسى ثم جاء دور عبدالناصر 1952 الذى لم ينصره الله مرة بل عاجله بالفضح والعار فألغى المحاكم الشرعية تمامًا ليجهز على الرمق الأخير فى روح الشريعة بمصر؛ ومن حيث بدأ جنود إبليس فى تنحية الشريعة يكون المنبت الأصيل بتربية الناس على فضل الشريعة وبركاتها وأحكامها بتطبيق النظام الشرعى المصغر داخل المساجد الكبرى على أيدى أهل العلم والحكمة فنغير ما بأنفسنا من الجهل بالشريعة ومنافعها المتعدية فيغير الله ما بقومنا من ذلة وصغار، وذلك بتذكير المسلمين دائما بنصوص الوحى قرآنا وسنة فإن لذلك أثرا بالغا فى نفوس المسلمين.
الجريدة الرسمية