شرعية على حافة الهاوية
تشهد الساحة السياسية المصرية منذ اندلاع الاحتجاجات على الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس مرسى فى نوفمبر الماضي، وحتى يومنا هذا جدلًا كبيرًا - بين كل من النظام والمعارضة - حول شرعية النظام الحالي، فشاهدنا خلال الفترة الأخيرة -من جانب المعارضة- العديد من المظاهرات التى خرجت تنادى بإسقاط نظام مرسي، مؤكدة بذلك أنه قد افتقد شرعيته، وبالتالى فلابد من رحيله.
وفى المقابل خرج علينا رموز النظام ومؤيديه مؤكدين أن نظام مرسى لا يمكن إسقاطه، باعتبار أنه قد جاء إلى الحكم عن طريق صناديق الانتخابات، وأن المطالبة بإسقاط النظام يعد انقلابًا على شرعية رئيس منتخب، وهذا ما صرح به رئيس الجمهورية ذاته خلال حواره الأخير، حينما سأله المحاور عن موقفه من المظاهرات التى تنادى برحيله، فكان رده أنه جاء إلى السلطة عن طريق اختيار الشعب له وفقًا لإعلان دستورى سابق، ثم دستور حدد مدة رئاسته.
والحقيقة أنه عند تأمُل نظرة النظام للشرعية، نجد أنه ينظر إليها بمنظور ضيق للغاية، فالنظام الحالى اختزل الشرعية فى صندوق الانتخابات فقط، مُتجاهلًا بذلك أن صندوق الانتخابات يعد بمثابة خطوة أولية وليست وحيدة لبناء شرعية النظام، حيث يأتى بعدها خطوات أخرى كثيرة لاستكمال بناء هذه الشرعية.
فعند تحليل أسس الشرعية ومصادرها وفقًا للنظريات السياسية المعاصرة، نجد أنها ركزت -بالإضافة إلى تفويض الشعب للنظام سواء عن طريق صندوق الانتخابات أو أى وسيلة أخرى مُتفق عليها- على عدة مصادر أخري، يتمثل أهمها فى التالي:
• تمتع نظام الحكم باعتراف ورضا المواطنين، عن طريق الامتثال للأطر القانونية التى يقرها النظام.
• التزام النظام بالأطر القانونية الرسمية المُتفق عليها.
• القدرة على تحقيق إنجازات سياسية واقتصادية واجتماعية، وهو ما أُطلق عليه "شرعية الإنجاز".
• طرح تصور مثالى للدولة يقوم على العدل والمساواة والحرية، وهو ما أُطلق عليه أيضًا "الشرعية الأيديولوجية".
وبالتالى فعند تقييم شرعية النظام الحالي، نلاحظ أنها قد افتقدت معظم المصادر والأسس السابق ذكرها، ففيما يتعلق برضا الشعب عن النظام الحالى نستطيع أن ندرك جيدًا أن فئة كبيرة من الشعب لم تعد تعترف بنظام مرسى وقد تجسد ذلك وبصورة واضحة من خلال دعوات العصيان المدنى التى انتشرت فى عدد من المحافظات خلال الفترة الأخيرة، بالإضافة إلى دعوات مقاطعة الانتخابات البرلمانية القادمة، وهو ما يعد مؤشرًا قويًا على عدم اعتراف تلك الفئة بالنظام أو حتى قوانينه.
أما فيما يتعلق بالتزام النظام بالأطر القانونية المُتفق عليها، فنجد أن الرئيس مرسى قد خالف تلك الأطر القانونية التى اتفق عليها مع شعبه، حينما أصدر إعلانًا دستوريًا جعله فوق القانون، وأدى إلى تقسيم الشعب، وإراقة الدماء.
وفيما يتعلق بشرعية الإنجاز، فنجد أن النظام الحالى لم يسع إلى تحقيق أى إنجازات تُدعم من شرعيته، بل على العكس فقد تسبب فى العديد من الأزمات على المستوى السياسى والاقتصادى والاجتماعى، وهو ما استشعره المواطن وبصورة كبيرة خلال الفترة الأخيرة.
وأخيرًا وفيما يتعلق بالشرعية الأيديولوجية، فنجد أن النظام الحالى قد تفوق فى الظلم والقمع والقتل، وغيرها من الأساليب التى تتنافى تمامًا مع أسس الشرعية الأيديولوجية.
وبالتالي، ووفقًا لهذا التقييم، نستطيع أن ندرك جيدًا أن شرعية النظام الحالى قد فقدت العديد من الأسس المدعمة لها، وأصبحت تتآكل كل يوم عن اليوم الذى قبله، حتى أصبحت على حافة الهاوية.
Nour_rashwan@hotmail.com