رئيس التحرير
عصام كامل

نويبع.. من المغضوب عليهم والضالين!!


قرابة الخمسة عشر مليارًا من الجنيهات معطلة.. تتهاوى.. تنهار.. لا تجد من ينقذها.. على مقربة من تلك الاستثمارات السياحية الكبيرة نويبع - طابا.. يقع أهم الموانئ في المنطقة كلها ميناء نويبع، إطلالة مصر على عالم فسيح.. ستون كيلومترًا تفصلك عن حدود المملكة العربية السعودية.. أربعون كيلومترًا عن الأردن، ومثلها عن إسرائيل.. هذه البقعة التي وهبها الله لمصر وللمصريين تعاني خللا رهيبًا.


كل الفنادق والقرى أغلقت أبوابها إلا سبعة منها فقط، لا تزال تصارع شبح الإغلاق ليطرح السؤال نفسه لماذا نجحت شرم، في حين تنازع نويبع كل شرور الإهمال؟

خبثاء يرددون بلا وعي "غير مسموح بتنمية نويبع - طابا".. عشاق الماضي يقولون إن زيارات مبارك وإقامته في شرم طرحها منتجًا سياحيًا قويًا بين الأسواق.. سذج يدعون أن الفتور في العلاقات المصرية الإسرائيلية سببٌ في هجرة سائحيهم إلى مقاصد أخرى.

العقلاء يعرفون أن بناء مقصد سياحي على سائح وحيد خطر، وأن بناء مقصد سياحي على إقامة شخص مهم به مصيبة، وأن التحرك الرسمي تجاه الأزمة الطاحنة التي يعاني منها مستثمرو المنطقة يكاد يكون هو القاتل الحقيقي والجاني الأساسي.

لقد رفعنا شعار "مصر تحارب الإرهاب"، وأطلقنا ماكينة الأخبار لتنقل وقائع المعركة المقدسة التي يخوضها جيشنا في شمال سيناء دون أن نفرق بين جنوب وشمال.. دون أن ننتبه إلى خطورة الشعار؛ إذ ليس من المعقول أن تدعي أمنًا وأمانًا، وأن صاحب شعار "تحارب" أو "تواجه"، ثم تطلب من السائح أن يضحي بنفسه من أجل أسبوع سيقضيه حسب شعارك في دولة تحارب.

ويزيد الطين بلة كلما بعثرت الميديا أخبارها الغريبة والعجيبة، وآخرها ونحن على يقين أنه لن يكون آخرها.. خبر يقول "الجيش يحمي مؤتمر شرم الشيخ بـ ١٤ ألف جندي".. مثل هذا الخبر كارثي.. لك أن تتصور رأس المال وهو قادم إلى بلد يحمي مؤتمراته الاقتصادية بالجيش.. هل تعتقدون أن المستثمر جاد ليعمل هنا من أجل مصر.. يضحي بنفسه من أجل مصر.. يلقي بأمواله في تهلكة عشقًا في أرض الكنانة؟!!

إن مؤسسات كبرى لا تزال تدار بمنطق البركة لا بمفهوم الاحتراف، بل إن وزارات مهمة لا تزال تحت سيطرة الجهل والتخلف والغباء.. بعضها ينتقم من الشعب؛ عقابًا له على ثورته، وبعضها أطاح بالشرفاء تحت دعوى الثورة لينهش في لحم الوطن فسادًا ولصوصية واستغلالًا، لنكتشف يومًا بعد يوم أن فساد عصر مبارك كان أخف وطأة رغم وحشيته.

وملف "نويبع - طابا" لم يحظ بنقاش جدٍ، ربما لأن معظم مستثمري هذا الموقع أخفض صوتًا وأقل مشاركة، ويمكن وصف معظمهم بـ "السائرين جنب الحيط".. الفنادق سكنتها الوطاويط، والعمالة طوردت وطردت، والأواصر تنهار يومًا بعد يوم.. التأمينات تهدد المنشآت، والكهرباء تتوعد، وشركة المياه لا تصبر على صاحب ضيقة، والنهاية غير سعيدة.. لأرض قدستها الديانات وأعلنت الدولة أنهم من المغضوب عليهم!!

الدولة التي لا تنجح في اجتياز ٦٠ كيلومترًا للوصول إلى السوق السعودية وأقل منها لاجتذاب جزء من السوق الأردنية.. الدولة التي تمتلك بكارة مياه فيروزية وقممًا من الجبال الملونة ونهارًا صحوًا وليلًا بديعًا وإطلالة على قارة تضم بين حدودها نمور الاقتصاد العالمي ولا تصل إليهم.. الدولة التي تحرر أرضًا بالدماء ولا تنميها، أما تعيش فيما هو أبعد من مرحلة الخطر.
الجريدة الرسمية