لماذا تنتصر الثورة المضادة ؟!
إنه السؤال الأكثر إلحاحًا لدى الغالبية العظمى من شعب مصر، فقد قامت ثورة 25 يناير من أجل تغيير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية المتردية داخل المجتمع المصرى، وبلورت الثورة منذ بداية انطلاقها مطالبها في شعار محدد ودقيق هو (العيش والحرية والعدالة الاجتماعية)، وتم ربط تحقيق هذه المطالب بضرورة إسقاط النظام، وبعد مرور أربع سنوات على الثورة يمكن القول إنه لا النظام سقط ولا التغيير حدث ولم تتحقق بالتالى مطالب الغالبية العظمى من المصريين، بل إن الظروف والأوضاع تسير من سيئ إلى أسوأ.
وكانت الحجة الجاهزة دائمًا أن المطالب لم تتحقق لأن جماعة الإخوان قد قامت بسرقة الثورة والاستيلاء على السلطة، لكن الشعب الذي ثار على نظام مبارك الفاسد، تمكن من استعادة زمام الأمور وبسرعة من الجماعة الانتهازية وثار عليها في 30 يونيو وأطاح بها من مقاعد السلطة، وبالتالى كان ينتظر أن تتحقق مطالبه المشروعة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، ولذلك وقف ينتظر تحقيق مطالبه معتقدًا أنه قد أنهى مهمته، ومتوهمًا أنه قد أسقط النظام، وهنا مربط الفرس فالنظام الذي هو جملة السياسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية لم يسقط بعد، فالأشخاص تتغير وتتبدل والسياسات ثابتة، لذلك لا أمل في تحقيق مطالب الثورة، ولا أمل في تغيير أوضاع الغالبية العظمى من شعب مصر الذين يعيشون تحت خط الفقر وفى حزامه والذين تقترب نسبتهم من 70% من إجمالي السكان.
لقد أدرك رجال مبارك منذ بداية الثورة أن الموجة عالية عليهم لذلك لابد أن يعملوا بكل جهدهم على إفشالها وبكل الطرق، وساعدهم على ذلك عدم وجود قيادة حقيقية للثورة فقاموا منذ اليوم الأول بدفع رجالاتهم من الصفوف الخلفية ليتصدروا المشهد، ونجحوا في ذلك إلى حد كبير، فعادت الجماهير إلى بيوتها في انتظار التغيير، وتركت الصراع على السلطة بين القوى السياسية الفاشلة جميعها، والتي لا تصلح للقيادة وهنا انحسر الصراع بين رجال مبارك أصحاب الثورة المضادة والإخوان الانتهازيين الذين لا يمتون للثورة بصلة بل هم أيضًا جزء من النظام القديم وعندما نجحوا في الجولة الأولى استمرت السياسات كما هي، وهو ما دفع الشعب للثورة من جديد.
وعندما تمكنت الثورة من الإطاحة بالإخوان عادت مرة أخرى للبيوت منتظرة قيادتها الثورية الضعيفة والهشة أن تقود المرحلة لكنهم كانوا عبارة عن مجموعة من الصبية يحركهم نظام مبارك من خلف الستار، وتمكن من الإطاحة بهم وتفريقهم بسهولة شديدة، وهنا نجحت الثورة المضادة من الانتصار على الثورة، وقاموا في المرحلة الجديدة بوضع دستور بواسطة رجلهم عمرو موسى، ثم قاموا بتشكيل حكومة بواسطة رجلهم إبراهيم محلب، وبواسطة هذه الحكومة قاموا بإعداد وتفصيل وطبخ قوانين الانتخابات البرلمانية لكى يعودوا للسيطرة بالكامل على السلطة، وفى هذه الأثناء كان القضاء الذي يحكم بقوانينهم التفصيل قد أخرجهم جميعا من السجون وعادوا طلقاء يحلمون بالعودة مرة أخرى لصدارة المشهد إن لم يكن السياسي فالاقتصادى والاجتماعى والثقافى والإعلامي الذي لم يغيبوا عنه لحظة واحدة.
إذن فالثورة المضادة نجحت في الانتصار على الثورة لأن الثورة لم تتمكن من بلورة قيادة حقيقية، تصل للسلطة وتقوم بالإطاحة بكل القوى السياسية القديمة، وتقوم بتجميد وحل كل الأحزاب، وتصدر مجموعة من القوانين لمحاكمة كل رموز الفساد السياسي، لذلك لا أمل في تحقيق مطالب الثورة إلا ببلورة قيادة تكون قادرة على دخول الصراع مع القوى المضادة للثورة، فالجماهير دائمًا خارج الصراع على السلطة، هي فقط وقود للثورة والمعركة، وليعلم رموز الثورة المضادة أنهم كسبوا جولة لكنهم لم يكسبوا كل الجولات، فالثورة مستمرة حتى تحقق كل مطالبها المشروعة والعادلة، اللهم بلغت اللهم فاشهد.