رئيس التحرير
عصام كامل

"كيرى" وسلمية سوريا


بدا وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى وكأنه يزور الخليج فى وقت بائس، فالرجل الذى زار الخليج فى أول جولة رسمية له من توليه منصبه كوزير للخارجية، كان عليه أن يظهر حبه لكل الملوك والأمراء وأمراء الأمراء، وأن يظهر لهم أنه فى حاجة إلى دعمهم ضد بشار الأسد.


والسبب ببساطة أنهم وحدهم، بطبيعة الحال، الذين سيقومون بإرسال أموال وأسلحة للمتمردين فى سوريا، لكن عن أى فصيل من المتمردين كان يتحدث كيرى؟ هل كان يتحدث عن دعم العلمانية الناعمة ممثلة فى الجيش السورى الحر أو عن الجماعات الإسلامية المتمردة، والتى تصنف على أنها "إرهابية"، وهى الجماعات التى يقاتل أفرادها أيضًا ضد الأسد؟.

ففى قطر، تحدث كيرى عن أن لديه الآن "أكبر الضمانات" التى من شأنها أن تضمن وصول الأسلحة إلى الجماعات "المعتدلة" فى سوريا، قد توجد مثل هذه الضمانات، لكنها ضمانات لا قيمة لها، فالمملكة العربية السعودية وقطر ترسلان أسلحة إلى فصائل من المعارضة مثل "جبهة النصرة" وغيرها من الجماعات الإسلامية الأخرى، وهى الجماعات ذاتها التى نسميها فى الغرب بجماعات إرهابية، والعائلة المالكة فى السعودية تعمل على نشر المذهب الوهابى، وترى أن عناصر الجماعات الإسلامية فى سوريا، والتى يرتبط بعضها بالقاعدة التى قتلت الأمريكيين فى هجمات 11 سبتمبر، وترى أن الجماعات الإسلامية المقاتلة فى سوريا تسير على نفس منهجها المعادى للشيعة، فلماذا لا ينبغى على السعوديين أن يكون ذراعًا لتمويل الميليشيات التى تقاتل الشيعة فى سوريا، خاصة أنها جماعات أصبحت مفضلة لدى السعوديين ما دامت تقاتل الشيعة؟

لقد بدا كيرى وكأنه ليس لديه أى فكرة عما يجرى فى سوريا، حيث قال من داخل الخليج: "إن بشار الأسد فقد شرعيته"، وهو الإعلان الذى طرح سؤالاً ملحًا هو "ألم يكن من المفترض أن يكون هذا قد حدث قبل عامين؟
ربما ما أراده كيرى هو ضمان تدفق كميات كبيرة من السلاح إلى سوريا من جانب القطريين والسعوديين، لكن دعونا نقول إن من يريد القطريون والسوريون تمويلهم وتزويدهم بالسلاح يختلفون عمن يريد كيرى والأمريكان تزويدهم بالسلاح، فالجميع فى الخليج متفقون على أن بشار سيئ جدًا، لكنه فى الوقت ذاته، فإن المملكة العربية السعودية وقطر لا تريدان إقامة ديمقراطية حقيقية فى سوريا، ولا تنويان أن يكون هناك نظاما ديمقراطيًا على النمط الغربى فى دمشق، عندما سئل كيرى فى الرياض عما إذا كان تزويد السعودية للمتمردين بالسلاح فى سوريا يمثل مصدر قلق، راح يتحدث عن إمدادات الأسلحة الروسية والإيرانية وحزب الله لنظام الأسد.

وفى عالم لا توجد به ذاكرة مؤسسية، لا أحد سأل لماذا يعطى حزب الله أسلحة إلى نظام الأسد فى حين أن الإسرائيليين يتفاخرون بأنهم قصفوا قافلة أسلحة كانت متجهة من الأسد إلى حزب الله، دون أن ينتقد أحد هذا القصف، ألا يثير ذلك كثيرًا من الحيرة والارتباك؟

قال كيرى مقولة رائعة فى الرياض، وهى "أن الولايات المتحدة ستواصل العمل مع أصدقائها لتمكين المعارضة السورية، ونأمل أن تكون قادرة على إحداث ثورة سلمية"، ونسى كيرى الانقسام الذى تشهده سوريا، كما نسى حقيقة أن الأمريكيين يدعون أنهم يرسلون أموالاً وضمادات فقط للسوريين، وأن البريطانيين يخططون لإرسال مركبات ومدرعات غير مقاتلة، ألا يدعو هذا كله تلاميذ سوريا لتحليل هذا الهراء، فما دامت هناك كلمات تستخدم مثل أصدقاء وتمكين ونأمل وسلمية، فلا عجب إذًا أن يبدو بشار الأسد واثقًا من نفسه.

الجريدة الرسمية